للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليهم نادتهم: يا أهْلَ النار، أيَّ شَيءِ تَطْلُبونَ؟ وما الذي تَسألُون؟ فيذكرون بها سَحَائبَ الدنيا، والماءَ الذي كان يَنزلُ عليهم، فيقولون: نسأل يا ربّ الشرابَ، فتُمْطِرُهم أغلالًا تُزَادُ في أغلالهم، وسَلاسِلَ تُزادُ في سَلاسِلِهم، وجَمْراً يُلْهِبُ النَّارَ عَلَيْهم" (١).

وقال الحافظ أبو بكر بن أبي الدُّنيا: حدّثنا بشْرُ بنُ الوليد الكِنْديّ، حدّثنا سعيد بن زَرْبيّ، عن حُمَيْد بن هلال، عن أبي الأحْوص، قال: قال ابن مسعود لأصحابه: أيّ أهل النار أشدُّ عذاباً؟ فقال رجل: المنافقون، قال: صَدَقتْ، فهَلْ تدري كيف يُعذَّبون، قال: لا، قال: يُجْعَلونَ في تَوابيتَ من حَديدٍ فتُصْمدُ عليهم، ثم يُجْعلُونَ في الدَّرْكِ الأسْفلِ من النار في تَنَانيرَ أضْيقَ منَ الزُّجّ (٢)، يقالُ له: جُبُّ الحَزَن، فيُطبق على أقوام بأعمالهم آخِرَ الأبَدِ (٣).

وقال ابن أبي الدنيا: حدّثني علي بنُ حسن، عن محمد بن جَعْفر المَدائنيّ، حدّثني بَكْرُ بن خُنَيْس، عن أبي سلمة الثَّقفيّ، عن وَهْب بن مُنَبِّه، قال: إن أهل النار الذين هم أهلُها، فهم في النار، لا يَهْدَؤونَ، ولا ينامون، ولا يَمُوتُونَ، يَمْشُونَ على النار، ويَجْلسونَ ويَشْربُونَ من صَديدِ أهْلِ النارِ، ويأكلون من زَقُّوم النارِ، لُحُفهم نار، وفرشهم نار، وقُمُصُهم نارٌ وقَطِرَانٌ وتَغْشَى وُجُوهَهمُ النارُ، وجَميعُ أهل النار في سَلاسِل، بأيْدي الخَزَنةِ، وأطْواقُها في أعناقهم، يَجْذبُونَهُمْ مُقْبلينَ ومُدْبرين، فيَسيلُ صَديدُهم إلى حُفَرٍ في النار، فذلك شَرَابُهُمْ، قال: ثم بكى وَهْبٌ حتى سَقَط مَغْشياً عليه، قال: وغَلَبَ بَكْرَ بن خُنَيْسٍ البكاءُ، حتّى قام، فلم يَقْدِر أن يَتَكلَّم، وبَكى محمدُ بن جعفرٍ بكاءً شَديداً.

وهذا الكلام عن وهب بن مُنَبّه اليَمَانيّ، وقد كان يَنْظُر في كُتب الأوائل، وينقُل من صُحف أهل الكتاب الغَثّ والسَّمينَ، ولكن لهذا الكلام شواهد من القرآن العظيم، وغيرِه من الأحاديث، قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ (٧٤) لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ (٧٥) وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ (٧٦) وَنَادَوْا يَامَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ قَالَ إِنَّكُمْ مَاكِثُونَ﴾ [الزخرف: ٧٤ - ٧٧] وقال تعالى: ﴿لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لَا يَكُفُّونَ عَنْ وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلَا عَنْ ظُهُورِهِمْ وَلَا هُمْ يُنْصَرُونَ (٣٩) بَلْ تَأْتِيهِمْ بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلَا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلَا هُمْ يُنْظَرُونَ﴾ [الأنبياء: ٣٩ - ٤٠]. ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نَارُ جَهَنَّمَ لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا كَذَلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ (٣٦) وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا غَيْرَ الَّذِي كُنَّا نَعْمَلُ أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُمْ مَا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَنْ تَذَكَّرَ وَجَاءَكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ نَصِيرٍ﴾ [فاطر: ٣٦ - ٣٧] وقال تعالى: ﴿وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ


(١) وإسناده ضعيف.
(٢) والزج: الحديدة التي تركب في أسفل الرمح ويركز بها الرمح في الأرض. "تاج العروس" (زجج).
(٣) رواه ابن أبي الدنيا في "صفة النار" (١٠٠) وإسناده ضعيف.

<<  <  ج: ص:  >  >>