للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عِنْدهُ عَمُّهُ أبو طَالِبٍ فقال: "لَعلَّهُ تَنْفَعُه شَفَاعَتي يَوْمَ القِيَامةِ، فَيُجْعل في ضَحْضَاحٍ منْ نارٍ يَبْلُغُ كَعْبَيْهِ يَغْلي منْهُ دِمَاغُه" (١).

ثم قال: فإنْ قيلَ: فقدْ قال الله تعالى: ﴿فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ﴾ [المدثر: ٤٨]، قيل: لا تنفعُهُ في الخُروج منَ النَّارِ، كما تَنْفعُ عُصَاةَ المُوحِّدينَ الَّذينَ يَخْرُجُون منْها، ويَدْخلون الْجنَّةَ.

النوع السابع من الشفاعة، شفاعتُه لجَميعِ المُؤْمنينَ قَاطِبَةً في أنْ يُؤْذَنَ لَهُمْ في دُخُولِ الْجنَّة، كما ثبت في "صحيح مسلم" عن أنس بن مالك: أنَّ رسولَ اللهِ . قال: "أنَا أؤَلُ شَفيع في الْجَنَّة" (٢).

وقال في حديث الصُّور [بعد ذِكر مرور الناس على الصِّرَاط] (٣): فإذا خلص المؤمنون من الصراط، وأفْضَى أهْلُ الْجنَّةِ إلى الجَنةِ قالوا: منْ يَشْفعُ لَنا إلى رَبِّنَا فَنَدْخُلَ الجَنَّةَ؟ ثم ذكر مجيء المؤمنين من نبي إلى نبي، حتى جاؤوا إلى النبي ، قال النبي : "فيأْتُوني ولي عند رَبِّي ﷿ ثَلاثُ شَفَاعاتٍ، يعني والله أعلم خاصة به دون غيره، قال: فأنْطلقُ فآتي الجَنَّةَ فآخُذُ بِحَلْقَةِ بَابِها، ثم أسْتَفْتحُ، فيقول الخازن: مَنْ أنت؟ فأقول: محمد، فيفتح لي، فأُحَيَّا، وُيرحَّبُ بي فإذا دخلت ونظرت إلى ربي سبحانه، خررت له ساجدًا، فيأذن الله تعالى لي من حمده وتمجيده بشيء ما أذن به لأحد، ثم يقول لي: ارفع رأسك يا محمد، واشفع تُشفَّعِ، وسل تُعْطَه، فإذا رفعت رأسي قال الله وهو أعلم: ما شأنك؟ فأقُولُ: يا رَبِّ وَعَدْتَني الشَّفَاعَة، فشَفِّعْني في أهْلِ الْجنّةِ، فيقولُ اللهُ ﷿: قدْ شَفَّعْتُكَ، وَأذِنْتُ لَهُمْ في دخول الْجنَّةِ … وذكر الحديث كما تقدَّم في حديث الصور.

ثم ذكر بعد هذا الشفاعةَ في أهْلِ الكَبائِرِ، وهُوَ:

النوعِ الثامن من الشفاعة وهو شَفاعته في أهْلِ الكبائر مِنْ أُمَّتِه ممَّنْ دَخَلَ النَّارَ بذنوبه وكبائر إثمه، فَيَخْرُجُون مِنْها.

وَقَدْ تواترت بهذا النوع الأحاديثُ، وقد خَفيَ علم ذلك على الخوارج، والمُعتزلةِ، فخالفواْ في ذلك جَهْلًا منهم بصحّة الأحاديث، وعِنَادًا ممَّنْ عَلِمَ ذلك واستَمرّ على بِدْعتهِ.

وهذه الشفاعة يشاركه فيها الملائكةُ والنبيُّون والمؤمنون، وهذه الشفاعة تتَكَرَّر منه صلواتُ الله وسلامه عليه [أرْبَعَ] مَرَّاتٍ.


(١) رواه مسلم (٢١٠).
(٢) رواه مسلم رقم (١٩٦).
(٣) ما بين الحاصرتين من (ط).

<<  <  ج: ص:  >  >>