للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عندَهُ سَعةٌ وَيُسمَّوْنَ المُحَرَّرينَ" (١). وهذَا السِّيَاقُ يَقْتضي تَعْدادَ هَذِهِ الشفَاعة فِي مَنْ أُمِرَ بِهمْ إلى النَّارِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ ألّا يَدْخُلُوها، ويَكُونُ مَعْنى قَوْله: فأخْرِجْ، أيْ أنْقِذْ، بدَليلِ قَوْله بَعْدَ ذَلِكَ: "وَيَبْقَى قَوْمٌ فَيَدْخُلونَ النَارَ"، واللهُ أعلم بالصَّوابِ.

النوع الرابع من الشفاعة، شفاعته في رفع درجات من يدخل الجنة فوق ما يقتضيه ثواب أعمالهم.

وقَدْ واَفقتِ الْمُعْتزلةُ على هذهِ الشفَاعةِ خَاضةً، وخَالفُوا فيما عَدَاهَا منَ الشفاعاتِ، مع تَواتُر الأحَاديث فيها، على ما سَتَراهُ قَريبًا إنْ شاء الله تعالى.

فأما دليل هذه الشفاعة، فهو ما ثبت في "الصحيحين" وغيرهما من رواية أبي موسى الأشْعريّ لمَّا أُصيبَ عَمُّهُ أبو عَامِرٍ في غَزْوَةِ أوطَاس، فلمَّا أخْبَرَ أبو مُوسى رسولَ الله بذَلِكَ، قال: فتوضأ رسولُ الله، وَرَفعَ يَدَيْهِ، وقال: "اللَّهُمَّ اغْفرْ لِعُبَيْدٍ أبي عَامِرٍ، وَاجْعَلْهُ يَوْمَ القِيامةِ فَوْقَ كَثيرٍ منْ خَلْقك" (٢).

وهكذا حديث أمِّ سَلَمةَ: أن رسولَ اللهِ دَعَا لأبي سَلَمةَ بَعْدَما تُوفيَ، فقال: "اللّهُمَّ اغْفِرْ لأبي سَلَمةَ، وَارْفَعْ دَرَجَتهُ في المَهْدِيِّين، وَاخْلُفْهُ في عَقِبِهِ في الْغَابرينَ، وَاغْفرْ لَنا ولَهُ يا رَبَّ العَالمينَ، وَافْسحْ لهُ في قَبْرِهِ، ونَوِّرْ لَهُ فيهِ". وهو في "صحيح مسلم" (٣).

وقد ذكر القاضي عياضٌ وغيرُه، نوعًا آخر من الشفاعة وهو خامسٌ، وهي في أقوام يدخلون الْجنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ، وَلَمْ أرَ لِهَذا شاهدًا فيمَا عَلِمْتُ، ولم يذكر القاضي عياضٌ له مستندًا فيمَا رَأيْتُ، ثمِّ تَذَكَرْتُ حَديثَ عُكَاشةَ بنِ مِحْصنٍ حينَ دَعا لَهُ رسولُ اللهِ أنْ يَجْعَلَهُ منَ السَّبعينَ ألْفًا الَذينَ يَدْخُلونَ الْجنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ، والحديث مُخَرَّج في "الصحيحين"، كما تقدَّم (٤) وهو يُناسبُ هذَا المقام.

وذكر أبو عبد الله القرطبيّ في "التذكرة" نوعًا سادِسًا منَ الشَّفاعةِ، وهو شَفَاعتُه في عمِّه أبي طالبٍ أنْ يُخَفَّفَ عَذَابُهُ، واستشهدَ بحدِيثِ أبي سَعيدٍ في "صحيح مُسْلمٍ" أن رسولَ اللهِ ذُكِرَ


(١) وهو مرسل.
(٢) رواه البخاري (٢٨٨٤) ومسلم (٢٤٩٨).
(٣) رواه مسلم (٩٢٠).
(٤) رواه البخاري (٦٥٤١) ومسلم (٢٢٠) من حديث ابن عباس والبخاري (٦٥٤٢) ومسلم (٢١٦) من حديث أبي هريرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>