للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالَ بعضُ العُلَماء: إنّما كانَ بَيْتُها منْ قَصَبِ اللُّؤلُؤ، لأنَّهَا حَازَتْ قَصَب السَّبْقِ في التَّصْديقِ برسولِ الله حينَ بَعَثَهُ اللهُ ﷿، كما يَدُلُّ عَلَيْهِ حَديثُ أوَّلِ البِعْثَةِ: أنَّها أوَّلُ منْ آمنَ، حَيْثُ قَالتْ لَمَّا أخْبَرها بما رَأَى، [وقال: " لَقَدْ خَشِيْتُ على نفسي " قالَتْ: كلَّا واللّهِ لا يُخْزيكَ اللهُ أبدًا، إنَّكَ لتَصِلُ الرَّحِمَ، وَتَصَدُقُ الْحديثَ، وَتَحْمِلُ الْكَلَّ، وَتَكْسِبُ الْمَعْدُومَ، وَتُعينُ على نَوائب الدَّهْر (١).

وأمَّا ذِكْرُ مَرْيَمَ، وَآسِيَةَ، في هَذَا الْحَديثِ، فَفيهِ إشْعارٌ أنَّ رسولَ الله يَتزوَّجُ بهمَا في الدَّارِ الآخِرَةِ، وَقَدْ حَاوَلَ بَعْضُهُمْ أنْ يَاخُدَّ ذلك منَ القُرْآنِ، منْ قَوْلهِ [تَعَالى] في سُورَةِ التَّحْريم: ﴿ثَيِّبَاتٍ وَأَبْكَارًا﴾ [التحريم: ٥]، ثمَّ ذُكِرَتْ آسيَةُ ومَرْيمُ في آخِرِ السُّورَة.

يُرْوى مِثْلُ هَذا عَنِ البَرَاءِ بنِ عَازِبٍ، أوْ غَيْرِه منَ السَّلفِ، واللّهُ أعْلمُ.

وقال أبو بكر بن أبي داود: حدّثنا عليّ بنُ المُنْذِرِ الطَّريقيّ (٢)، حدّثنا ابنُ فُضَيْلٍ، حدّثنا عبد الرحمن بنُ إسْحَاقَ، عن النُّعْمانِ بنِ سَعْدٍ، عنْ عَليّ بن أبي طالبٍ، قال: قال رسولُ الله : " إنَّ في الجَنَّةِ لَغُرَفًا يُرَى ظُهُورها منْ بُطُونها، وبُطونُها منْ ظُهورهَا" فقام أعرابيٌّ، فقال: يا رسول اللهِ، لِمَنْ هيَ؟ فقال: " لمن طَيَّبَ الكلامَ، وأطْعَمَ الطّعَامَ، وَأدَامَ الصيامَ، وَصَلَّى باللَّيْلِ والنَّاسُ نيَامٌ ". ورواه الترمذيّ عن عليّ بن حُجْر، عن عليّ بن مُسْهِرٍ، عن عَبْدِ الرَّحْمن بن إسحاق، وقال: غريبٌ، لا نَعْرِفُهُ إلَّا منْ حَدِيثه (٣).

وروى الطبرانيُّ منْ حَديث الوليدِ بن مُسْلِمٍ، حدَّثنا مُعَاوية بنُ سَلَّام، عن زَيْدِ بنِ سَلَّامٍ، حدّثني أبو سَلَّام، حدّثني أبو مُعانِق الأشْعريّ، حدّثني أبو مالِك الأشْعَريّ: أنَّ رسولَ الله قال: " إنّ في الجَنَّةِ غُرَفًا يُرى ظاهِرُها منْ باطِنها، وباطِنُها منْ ظاهرِها، أعدَّها اللّهُ لِمَنْ أطْعَمَ الطَّعَامَ، وأدَام الصِّيَامَ، وَصَلّى باللّيْلِ وَالنَّاسُ نِيَامٌ " (٤).

وروى الطبراني أيضًا منْ حَديثِ ابن وَهْبٍ، حدّثني حُيَيَّ، عن أبي عَبْدِ الرَّحْمَن، عن عَبْدِ اللّهِ بن عَمْرٍو، عن النبيِّ ، قال: " إنَّ في الجنَةِ غُرَفًا يُرَى ظاهِرُها منْ بَاطِنها، وَبَاطنُها منْ ظاهِرهَا " قال أبو مَالِك الأشْعريّ: لِمَنْ هيَ يا رَسُولَ اللّهِ؟ قال: " لِمَنْ أطابَ الكلامَ، وَأطْعَمَ الطَّعَامَ، وَبَاتَ قَائمًا وَالناسُ نِيَامٌ ". قالَ الحافِظُ الضِّيَاءُ: هَذا عِنْدي إسْنادٌ حَسَنٌ.


= حديث ابن أبي أوفى.
(١) رواه البخاري (٣) ومسلم (١٦٠).
(٢) في الأصول: الطرائفي، وهو خطأ.
(٣) رواه أبو بكر بن أبي داود في " البعث والنشور " (٧٤) والترمذي (٢٥٢٧) وهو حديث حسن.
(٤) رواه الطبراني في " الكبير " (٣٤٦٧) وهو حديث حسن.

<<  <  ج: ص:  >  >>