الموائدُ بأنواعِ الأطْعِمَةِ وَالأشْرِبَةِ ممَّا لا عَيْنٌ رَأتْ، ولا أُذُنٌ سَمِعَتْ، ولا خَطَر على قَلْبِ بشَرٍ، ثُمَّ يُطيَّبُونَ بأنْوَاعِ الطِّيبِ، ويُخصُّون بأنْواعِ الكرامات والتحف ممَّا لم يَخْطُرُ على بَالِ أحَدٍ منهم قبْل ذلك، ثُمَّ يَتَجَلَّى لَهُمُ الحَقُّ ﷾، وَيُخَاطِبُهُمْ واحدًا واحدًا، كما دلت على ذلك الآيات، والأحاديثُ، كما سيأتي إيرادُها قريبًا. على رغم أنوف المعتزلة وغيرهم ممن ينكر رؤيته سبحانه في الدار الآخرة.
وقَدْ حَكَى بَعْضُ العُلماء خِلافًا في النِّسَاء: هَلْ يَرَيْن الله ﷿ في الجَنَّةِ كما يَراهُ الرِّجالُ؟ فقيل: لا يرونه، لأنَّهُنّ مَقْصُوراتٌ في الخِيَامِ، لا يبرزن منها، وقيل: لنقص عقولهن ودينهن ورغبتهن في الدنيا. وقيل: بل يرونه سبحانه، لأنَّهُ لا مَانِعَ منْ رُؤْيَتِهِ تعالى في الخيَامِ والقصور، وغَيْرِها، والنساء إذا دخلن الجنة ذهب عنهن ما كان يعتريهن من النَّقص في الدنيا، وصرن أزواجًا مطهرة من كل أذى، وطبن أخلاقًا وخَلْقًا، فلا مانع لهنَّ من رؤيتهن لربهن ﷿، والله أعلم. وقد قال الله تعالى: ﴿إِنَّ الْأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ (٢٢) عَلَى الْأَرَائِكِ يَنْظُرُونَ﴾ [المطففين: ٢٢ - ٢٣]، وقال تعالى: ﴿هُمْ وَأَزْوَاجُهُمْ فِي ظِلَالٍ عَلَى الْأَرَائِكِ مُتَّكِئُونَ﴾ [يس: ٥٦].
وقال رسول الله ﷺ:"إنكُمْ سَتَروْنَ رَبَّكُمْ ﷿، كما تَرَوْنَ [هَذا] القَمَر [ليلة البدر] لا تُضامُونَ في رُؤْيتِهِ، فإن اسْتَطعْتُمْ ألّا تُغْلَبُوا على صَلاةِ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وقبْلَ غُروبها فافْعَلُوا"(١). وهذا عامٌّ في الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ، والله أعلم.
وقالَ بَعْضُ العُلَماءِ قَوْلًا ثَالثًا، وَهُوَ أنَّهُنَّ يَرَيْنَ الله في مِثْلِ أوقات الأعْيَادِ، فإنَّهُ تعالى يَتَجَلَّى لأهل الجنة في مِثْل أيَّام الأعْيَادِ تجلِّيًا عامًا، فيَرَيْنَهُ في مِثْل هِذِه الْحالِ في جملة أهل الجنة، وهَذا القَوْلُ يَحْتَاجُ إلى دَليلٍ خاصٍّ، واللهُ أعْلَمُ.
وقد قال الله تعالى: ﴿لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ﴾ [يونس: ٢٦] وَقدْ رُوي عَنْ جَمَاعةٍ منَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابعِينَ أنهم فسَّروا الزِّيَادَة بالنَّظَرِ إلى وَجْهِ الله تعالى، مِنْهُمْ: أبُو بكْرٍ الصِّدِّيقُ، وأُبيُّ بن كَعْب، وكَعْب بنُ عُجْرةَ، وَحُذَيْفةُ بنُ اليَمَانِ، وأبو مُوسى الأشْعَريّ، وَعَبْدُ الله بن عَبَّاسٍ، ﵃. ومن التابعين: سَعِيدُ بنُ المُسَيَّبِ، ومُجاهدٌ، وعِكْرِمَةُ، وَعَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ أبي لَيْلَى، وَعبدُ الرَّحْمنِ بنُ سابط، والْحَسَنُ، وَقَتادة، والضحَّاكُ، والسُّدِّيُّ، وغيرهمْ منَ السَّلفِ، والخَلَفِ.
وقدْ رُوي حديثُ رُؤْيةِ المُؤْمنينَ لربِّهمْ ﷿ في الدار الآخِرَةِ عنْ جماعةٍ منَ الصَّحابةِ، منْهُمْ: