للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال تعالى: ﴿وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ (٤٥)[الزخرف: ٤٥]. وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ﴾ الآية [النحل: ٣٦].

فأولاد العَلَّات أن يكون الأب واحدًا، والأمهات متفرِّقات، فالأب بمنزلة الدين وهو التوحيد، والأمهات بمنزلة الشرائع في اختلاف أحكامها كما قال تعالى: ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا﴾ [المائدة:٤٨]. وقال: ﴿لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ﴾ [الحج: ٦٧]. وقال: ﴿وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا﴾ [البقرة: ١٤٨]. على أحد القولين في تفسيرها (١).

والمقصود أن الشرائع وإن تنوعت في أوقاتها، إلا أنَّ الجميع آمرةٌ بعبادة الله وحدَه لا شريك له، وهو دين الإسلام الذي شرعه الله لجميع الأنبياء، وهو الدين الذي لا يقبل الله غيرَه يوم القيامة كما قال تعالى: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ (٨٥)[آل عمران: ٨٥]. وقال تعالى: ﴿وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ (١٣٠) إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (١٣١) وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَابَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾ [البقرة: ١٣٠ - ١٣٢]. وقال تعالى: ﴿إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا﴾ الآية [المائدة:٤٤]. مدين الإسلام هو عبادة الله وحدَه لا شريك له، وهو الإخلاص له وحده دون ما سواه، والإحسان أن يكون على الوجه المشروع في ذلك الوقت المأمور به، ولهذا لا يقبلُ اللّهُ من أحد عملًا بعد أن بَعث محمدًا إلا (٢) على ما شرعه له كما قال تعالى: ﴿قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا﴾ [الأعراف:١٥٨]. وقال تعالى: ﴿وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ﴾ [الأنعاء: ١٩]. وقال تعالى: ﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزَابِ فَالنَّارُ مَوْعِدُهُ﴾ [هود: ١٧]. وقال رسول الله : "بُعِثْتُ إلى الأحْمرِ والأسود". قيل أراد العرب والعجم. وقيل الإنس والجن (٣). وقال : "والذي نفسي بيده لو أصبحَ فيكم موسى ثمّ اتَّبعتُمُوهُ وتركتُموني لضللتم" (٤) والأحاديث في هذا كثيرة جدًا.

والمقصود أن "إخوة العلات" أن يكونوا من أبٍ واحد وأمهاتهم شتّى، مأخوذٌ من شُرب العَلَل بعد النَّهَل. وأما إخوة الأخياف فعكس هذا أن تكون أمهم واحدة من آباء شتى. وإخوة الأعيان فهم الأشقاء من أب واحد وأم واحدة. والله أعلم.


(١) تفسير المؤلف (١/ ١٩٤).
(٢) سقطت من ب وط.
(٣) النهاية في غريب الحديث (١/ ٤٣٧).
(٤) أخرجه أحمد في مسنده (٤/ ٤٧١) من طريق عبد الله بن ثابت.