للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عالمان راسخان، حين سمعا بما يُريد من إهلاك المدينة وأهلها، فقالا (١) له: أيها الملك لا تفعلْ فإنك إن أبيت إلا ما تريد حِيْل بينك وبينها، ولم نأمن عليك عاجل (٢) العقوبة. فقال لهما: ولم ذلك؟ قالا: هي مُهاجَرُ نبيّ يخرج من هذا الحرَم من قُريش في آخر الزمان، تكون دارَه وقرارَه. فتناهى عن ذلك (٣) ورأى أن لهما علمًا، وأعجبه ما سمع منهما، فانصرف عن المدينة واتّبعهما على دينهم (٤).

قال ابن إسحاق: وكان تُبَّع وقومُه أصحاب أوثان يعبدونها، فوجَّه (٥) إلى مكة، وهي طريقه إلى اليمن، حتى إذا كان بين عُسْفان وأَمَج (٦) أتاه نفرٌ من هذيل بن مُدْركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان فقالوا له: أيها الملك ألا ندلك على بيت مال داثرٍ أَغْفَلَتْه الملوكُ قبلكَ، فيه اللؤلؤ والزبرجد والياقوت والذهب والفضة؟ قال: بلى. قالوا: بيتٌ بمكة يعبده أهله ويصلّون عنده. وإنما أراد الهذليون هلاكَه بذلك لما عرفوا من هلاك مَنْ أراده من الملوك وبَغَى عنده. فلما أجمع لما قالوا (٧) أرسلَ إلى الحَبْرَيْن فسألهما عن ذلك. فقالا له: ما أراد القومُ إلّا هلاكَك وهلاكَ جُنْدك، ما نعلم بيتًا لله ﷿ اتخذ (٨) في الأرض لنفسِه غيرَه، ولئن فعلتَ ما دعوك إليه لتهلكن وليهلكن مَن معك جميعًا. قال: فماذا تأمرانني أن أصنع إذا أنا قدِمْتُ عليه؟ قالا: تصنع عنده ما يصنع أهلُه، تطوفُ به وتعظّمه وتكرّمه، وتَحلق رأسَك عنده، وتَذَلّلُ (٩) له حتى تخرج من عنده. قال: فما يمنعكما أنتما من ذلك؟ قالا: أما (١٠) والله إنه لبيت أبينا إبراهيم، ، وإنه لكَما أخبرناك، ولكنّ أهلَه حَالُوا بيننا وبينه بالأوثان التي نصبوها (١١) حوله وبالدماء التي يهريقون عنده، وهم نَجَس أهل شرك، أو كما قالا له. فعرف نُصْحَهما وصِدْقَ حديثهما، وقرَّب النفرَ من هُذيل فقطع أيديهم وأرجلَهم، ثم مضى حتى قدم


(١) في ط: فقالوا.
(٢) في ط: جل.
(٣) زيادة من السيرة.
(٤) زاد في ب: فقال خالد بن عبد العزى بن غزية بن عمرو بن عبيد بن غوث بن غنم بن مالك بن النجار يفخر بعمرو بن طلة: [من المديد]
أصحا أم قد نهى ذكره … أم قضى من لذة وطره
إلى انتهاء الأبيات. والقول مع الأبيات في السيرة (١/ ٢٢).
(٥) في ط: فتوجه. وكذلك في السيرة.
(٦) عُسفان: موضع، على مرحلتين من مكة، وهو حد تهامة. وأَمَج: بلد من أعراض المدينة.
(٧) في ب: سمع ما قالوا.
(٨) زيادة من ب وط. والسيرة.
(٩) في ب وتتذلل. وفي السيرة: وتذل.
(١٠) ليست في ب.
(١١) في ب: نصبوا.