للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قلتُ: ثم انقطع هذا بعد ابن إسحاق، ثم أُمِر بإخراج طائفة من بيت المال فتصرف في حمل زاد وماءٍ لأبناء السبيل القاصدين إلى الحج، وهذا صنيعٌ حسن من وجوه يطول ذكرها، ولكن الواجب أن يكون ذلك من خالص بيت المال من أحَلّ ما فيه، والأولى أن يكون من جوالي الذمة (١) لأنهم لا يحجون البيت العتيق، وقد جاء في الحديث: "من استطاعَ الحجَّ فلم يَحُجَّ فليَمُتْ إنْ شَاءَ يَهوديًا أو نصْرانيًا" (٢).

وقال قائلهم في مدح قُصي وشرفه في قومه (٣): [من الطويل]

قُصيّ لعمري كان يُدْعَى مجمّعًا … به جَمَعَ اللهُ القبائلَ من فِهر

هُموا ملؤوا البطحاءَ مَجْدًا وسُؤْددًا … وهم طَردوا عنا غُواة بني بكر

(٤) قال ابن إسحاق: ولما فرغ قُصي من حَربه انصرفَ أخوه رِزاح بن ربيعة إلى بلاده بمن معه، [وإخوته من أبيه الثلاثة وهم حُنّ ومحمود وجلهمة] (٥). قال رِزاح في إجابته قُصَيًا: [من المتقارب]

ولمَّا أتى مِن قصيٍّ رَسُولٌ … فقالَ الرسولُ أَجِيبوا الخليلا

نهضْنا إليه نَقُودُ الجيا … دَ ونطرحُ عنّا المَلولَ الثقيلا

نَسِيرُ بها الليلَ حتى الصبا … حِ ونَكْمي النهارَ لِئلا نَزُولا (٦)

فَهُنّ سِراعٌ كوِرْدِ القطا … يُجِبْنَ بنا مِن قُصيّ رَسولا

جمعنا من السرِّ من أَشْمَذَيْن … ومِنْ كُلّ حيّ جَمعنا قَبيلا (٧)

فيا لكِ حَلْبَةَ ما لَيْلَةٍ … تزيد على الألف سَيْبا رَسِيلا (٨)

فلما مَرَرْنَ على عَسْجَرٍ … وأسْهلنَ مِن مُسْتَناخٍ سَبيل (٩)


(١) الجوالي: جمع جالية، وهم أهل الذمة، لأن عمر أجلاهم عن جزيرة العرب، ثم لزم كل من لزمته الجزية من أهل الكتاب بكل بلد. (اللسان).
(٢) أخرجه الترمذي: (٨١٢)، في الحج، باب ما جاء في التغليظ في ترك الحج، وإسناده ضعيف.
(٣) أورد ابن كثير البيت الأول قبل قليل، في الكلام على قريش نسبًا واشتقاقًا، ونسبه إلى حذافة بن غانم العدوي. وهو في الروض (١/ ١٤٩)، والإنباه على قبائل الرواة (٤٤).
(٤) زاد في ب: ثم فوّض قصي هذه الجهات التي كانت إليه من السدانة والحجابة واللواء والندوة والرفادة والسقاية إلى ابنه عبد الدار كما سيأتي تفصيله وإيضاحه، وأقر الإجازة في المزدلفة في بني عدوان، وأقر النسيء في بني فقيم، وأقر الإجازة، وهو النفر في صوفه كما تقدم بيان ذلك كله، ما كان بأيديهم قبل ذلك. وسيكرر هذا في مطلع الفصل القادم، بعد قليل.
(٥) لم يرد هذا القول في نص السيرة (١/ ١٢٦).
(٦) نكمي النهار: أي نكمن ونستتر.
(٧) الأشمذان: جبلان ها هنا، وقيل: قبيلتان. انظر معجم البلدان (أشمذان)، والروض: (١/ ١٥١).
(٨) الحلبة: الدفعة من الخيل.
(٩) في ب: عسجد. وكذا روى ياقوت البيت في معجم البلدان (عسجد). وأشار إلى روايته بالراء: عسجر.