للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مقيم بين قبريهما أعبد الله حتى ألحقَ بهما. فقلت له: أفلا تلحق بقومك فتكون معهم في خيرهم وتبايُنِهم على شرهم؟ فقال لي: ثكلتكَ أمُّك، أَوَ مَا علمتَ أن ولد إسماعيل تركوا دينَ أبيهم واتّبعوا الأَضداد وعظّموا الأنداد (١)، ثم أقبل على القبرين وأنشأ يقول: [من الطويل]

خليليّ هُبَّا طالما قد رقَدتُما … كما أجِدَّ لا تَقضيان كَراكُما (٢)

أرى النومَ بين الجِلد والعَظمِ منكما … كأنّ الذي يسقي العقارَ سقاكما (٣)

أمِن طولِ نومٍ لا تُجيبان داعيًا … كأنّ الذي يسقي العقارَ سقاكما

ألم تعلما أني بنجرانَ مفرَدًا … وما ليَ فيه من حَبيبٍ سواكما (٤)

مقيمٌ على قبريكما لستُ بارحًا … إيابَ الليالي أو يجيبَ صَداكما

أبكيكما طولَ الحياةِ وما الذي … يردّ على ذي لوعةٍ أن بَكَاكما

فلو جُعلتْ نفسٌ لنفس امرئ فِدىً … لجدتُ بنفسي أن تكونَ فِداكما

كأنكما والموت أقربُ غايةٍ … بروحيَ في قَبريكما قد أتاكما

قال: فقال رسول الله : "رحمَ الله قُسًا، أمَا إنه سيبعث يوم القيامة أُمَّةً وحده" (٥).

وهذا الحديث غريب جدًا من هذا الوجه وهو مرسل إلا أن يكون الحسَنُ سمِعَه من الجارود. والله أعلم.

وقد رواه البيهقي، والحافظ أبو القاسم بن عساكر من وجه آخر، من حديث محمد بن عيسى بن محمد بن (٦) سعيد القُرشي الأخباري، حدّثنا أبي، حدثنا علي بن سليمان عن سليمان بن علي، عن علي (٧) بن عبد الله، عن عبد الله بن عباس . قال: قدم الجارود بن عبد الله (٨)، فذكر مثله أو نحوه مطولًا بزيادات كثيرة في نظمه ونثره، وفيه (٩) ما ذكره عن الذي ضَلّ بعيره فذهب في طلبه،


(١) الند: المِثْل، والمشارك في الجوهر، جمعه: أنداد.
(٢) الكرى: النوم.
(٣) العقار: الخمر. وهذا البيت لم يرد في الأغاني، ولا الخزانة.
(٤) في الأغاني، والخزانة: بسمعان. وهو الجبل الذي كان فيه قس كما في الرواية فيهما.
(٥) الأمة: الشخص المنفرد بدين، أي يُبعث واحدًا يقوم مقام جماعة. (الخزانة).
والخبر في الأغاني (ثقافة) (١٥/ ١٩٢ - ١٩٣)، وخزانة الأدب (تح. هارون) (٢/ ٨٠ - ٨٣).
(٦) زيادة من ب، وط. وعيون الأثر. وهو الصحيح.
(٧) كذا في ب، وهو موافق لما في عيون الأثر، وهو الصحيح. وفي م، وط: علي بن سليمان بن علي عن علي بن عبد الله.
(٨) هذا اختلاف آخر في نسب الجارود.
(٩) في ب: فمنه.