للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال: فبِتُّ في وادٍ لا آمن فيه حتفي، ولا أَرْكن إلى غير سيفي، فبت (١) أرقب الكوكب، وأرمق الغيْهب، حتى إذا عسعس الليل (٢)، وكاد الصبح أن يتنفس، هتف بي هاتف يقول: [من الرجز]

يا أيُّها الراقدُ في الليلِ الأَجَمّ … قَدْ بعثَ الله نبيًا في الحَرَم (٣)

من هاشمٍ أهلِ الوفاءِ والكرمْ … يجلو دجنّاتِ الدياجي والبهَم (٤)

قال: فأدرت طرفي فما رأيت له شخصًا ولا سمعت له فَحْصًا (٥)، قال: فأنشأت أقول: [من الرجز]

يا أيها الهاتفُ في داجي الظُّلَم … أهلًا وسهلًا بك من طيْفٍ ألَم

بَيِّنْ هَداكَ اللهُ في لحنِ الكَلِم … ماذا الذي تدعو إليهِ يُغتنم

قال: فإذا أنا بنحْنَحَةٍ وقائل (٦) يقول: ظهر النور، وبَطل الزور، وبَعثَ الله محمدًا بالحبُور (٧)، صاحب النجيب الأحمر، والتاج والمِغْفَر (٨)، والوجه الأزهر، والحاجب الأقمر، والطَّرْف الأحور، صاحب قول شهادة أن لا إله إلا الله، وذلك محمد المبعوث إلى الأسود والأبيض أهل المدر والوبر (٩)، ثم أنشأ يقول: [من مجزوء الرجز]

الحمدُ للهِ الّذي … لم يخلقِ الخلقَ عبثْ

لم يُخلِنا يومًا سُدى … من بعدِ عيسى واكترث (١٠)

أرْسلَ فينا أحمدًا … خيرَ نبيّ قد بُعث

صلى عليه اللهُ ما … حجّ له ركبٌ وحثّ

وفيه من إنشاد (١١) قُس بن ساعدة: [من البسيط]


(١) ليست في ط.
(٢) في ط: إذا الليل عسعس.
(٣) في ط: الأجم بالجيم، وهو تصحيف. والأحم: الأسود من كل شيء، واحتم: اهتم بالليل.
(٤) في ب: يجلو غياهب. والدجنات: الظلمات. والبهم: السود.
(٥) في اللسان (فحص): وفي حديثٍ قس: ولا سمعت له فحصًا: أي وقع قدم وصوتَ مشي.
(٦) كذا في ب، وفي أ، وط: وقائلًا.
(٧) الحبور: السرور والنعمة.
(٨) المغفر: زرد من الدرع يلبس تحت القلنسوة.
(٩) في ب: المبعوث للأسود والأحمر من أهل الوبر والمدر. وكذلك في عيون الأثر.
وأهل المدر: هم أهل القرى الذين يبنون بيوتهم بالطين الذي فيه المدر، وهو القش. وأهل الوبر: البدو الذين ينسجون بيوتهم من الوبر.
(١٠) في ب: فلم يخلّنا سدى: وكذلك في عيون الأثر.
(١١) في ط: إنشاء.