للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يقال لها: فاطمة بنت مُرّ الخثعمية، فرأت نور النبوّة في وجه عبد الله، فقالت: يا فتى هل لك أن تقع عليَّ الآن وأُعطيكَ مئة من الإبل؟ فقال عبد الله: [من الرجز]

أمَّا الحرامُ فالمماتُ دونَهُ … والحِلُّ لا حِلَّ فأَسْتبينه

فكيفَ بالأمرِ الذي تبغينَه … يحمي الكريمُ عِرضَه ودينه (١)

ثم مضى مع أبيه، فزوّجه آمنةَ بنت وهب بن عبد مناف بن زُهرة، فأقام عندها ثلاثًا. ثم إن نفسه دعته إلى ما دعته إليه الكاهنة، فأتاها. فقالت: ما صنعتَ بعدي؟ فأخبرها. فقالت: والله ما أنا بصاحبة رِيبة، ولكني رأيتُ في وجهك نورًا، فأردتُ أن يكون فيَّ. وأبى الله إلا أن يجعله حيث أراد. ثم أنشأت فاطمة تقول: [من الكامل]

إنّي رَأيتُ مَخِيْلةً لَمَعتْ … فتلألأتْ بِحَنَاتِم القَطْر (٢)

فَلَمَأْتُها نُوْرًا يُضيء له … ما حولَه كإضاءةِ البَدر (٣)

ورجوتُها فخرًا أبوءُ به … ما كلُّ قادحِ زَندِه يُورِي

لله ما زُهريَّةٌ سلبت … ثوبَيْك ما استَلبت وما تدري (٤)

وقالت فاطمة أيضًا: [من الطويل]

بني هاشمٍ قد غادرتْ من أخيكُمُ … أمينةُ إذ للباهِ يَعْتَرِكانِ

كما غادرَ المصباحُ عند خُموده … فتائلَ قد مِيثَت له بدِهان (٥)

وما كل ما يحوي الفتى من تِلادهِ … بحزمٍ ولا ما فاتَه لِتَواني

فأَجملْ إذا طالبتَ أمرًا فإنه … سيكفيكه جَدّانِ يعتلجان (٦)

سيكفيكه إما يد مقفعلَّةٌ … وإما يدٌ مبسوطةٌ ببنان (٧)

ولما حَوت منه أمينة ما حوت … حوت منه فخرًا ما لذلك ثان (٨)

وروى الإمام أبو نعيم الحافظ في كتاب "دلائل النبوة" من طريق يعقوب بن محمد الزهري، عن


(١) قوله: يحمي الكريم عرضه ودينه. زيادة من ط والروض الأنف.
(٢) المَخِيلة: السحابة تخالها ماطرة. الحناتم: السحائب السود.
(٣) لمأتها: أبصرتها. وفي دلائل النبوة: فلمائها.
(٤) أورد الخبر كذلك أبو نعيم في دلائل النبوة (١/ ١٦٤ - ١٦٦). وهو في الروض الأنف (١/ ١٨٠).
(٥) ميثت: خُلطت.
(٦) الجد: الحظ.
(٧) في ط: مقفللة. ومقفعلة: متشنجة منقبضَة.
(٨) دلائل النبوة لأبي نعيم (١/ ١٦٦).