للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مُدْرك، عن أبي زُرْعة، عن أبي هريرة: ﴿وَمَا كُنْتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا﴾ [القصص: ٤٦] قال: نُودوا: يا أمَّةَ محمد، استجَبْتُ لكُمْ قبلَ أنْ تدعُوني، وأعطيتكُم قبل أنْ تسألوني.

وذكر وَهْبُ بن مُنَبِّه (١) أنَّ الله تعالى أوحى إلى داود في الزَّبُور: يا داود إنَّهُ سيأتي من بَعْدِك نبيٌّ اسْمُه أحمد ومحمد (٢)، صادقًا سيِّدًا، لا أغضَبُ عليه أبدًا، ولا يعصيني (٣) أبدًا، وقد غفرتُ له قبلَ أن يعصِيَني ما تقدَّم من ذنبِه وما تأخَّر، وأمَّتُه مَرْحُومة، أعطيتُهم من النوافِل مثلَ ما أعْطيتُ الأنبياء، وفرضْتُ عليهم الفرائضَ التي افترضتُ على الأنبياءِ والرُّسُل، حتى يأتوني يومَ القيامةِ ونورهُمْ مِثْلُ نورِ الأنبياء.

إلى أن قال: يا داود، إني فضَّلْتُ محمدًا وأُمَّتَه على الأمم كلها.

والعِلْمُ بأنه موجودٌ في كُتب أهل الكتاب مَعْلُومٌ من الدِّين ضَرُورةً، وقد دلَّ على ذلك آياتٌ كثيرة في الكتاب العزيز تكلَّمنا عليها في مواضعها ولله الحمد.

فمن ذلك قوله: ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ هُمْ بِهِ يُؤْمِنُونَ (٥٢) وَإِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ قَالُوا آمَنَّا بِهِ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّنَا إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلِهِ مُسْلِمِينَ (٥٣)[القصص: ٥٢، ٥٣]. وقال تعالى: ﴿الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (١٤٦)[البقرة: ١٤٦]. وقال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقَانِ سُجَّدًا (١٠٧) وَيَقُولُونَ سُبْحَانَ رَبِّنَا إِنْ كَانَ وَعْدُ رَبِّنَا لَمَفْعُولًا (١٠٨)[الإسراء: ١٠٧، ١٠٨]. أي إنْ كان وَعَدنا ربُّنا بوجودِ محمدٍ وإرساله لكائنٌ لا محالة؛ فسبحان القدير على ما يشاء لا يُعجِزُه شيء.

وقال تعالى إخبارًا عن القِسِّيسينَ والرُّهْبان: ﴿وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (٨٣)[المائدة: ٨٣]. وفي قصَّة النَّجاشي وسَلْمان وعبد اللّه بن سَلام وغيرِهم كما سيأتي شواهدُ كثيرةٌ لهذا المَعْنى وللّه الحَمْدُ والمِنَّة.

وذكَرْنا في تضاعيف قصص الأنبياء ما تقدَّم الإشارة إليه من وصْفِهم لبعثةِ رسولِ اللّه ونَعْته، وبلد مولده ودار مُهاجَرِه، ونعت أُمَّتِه في قصة موسى وشعيا وأرميا ودانيال وغيرهم، وقد أخبر اللّهُ تعالى عن آخر أنبياءِ بني إسرائيل وخاتمهم عيسى ابن مريم، أنه قام في بني إسرائيل خَطيبًا قائلًا لهم: ﴿إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَد﴾ [الصف: ٦]. وفي الإنجيل البِشارة بالفارقليط (٤) والمرادُ به محمد .


(١) دلائل البيهقي (١/ ٣٨٠).
(٢) كذا في ح، ط، وفي دلائل البيهقي: يسمى أحمد ومحمدًا.
(٣) في ط: ولا يغضبني، والمثبت من ح.
(٤) ويقال بالباء: البارقليط، وهي رواية ح.