للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حدّثني أبي، حدّثني (١) عبد اللّه بن عبد العزيز، حدّثني محمد بن عبد العزيز، عن الزُّهْري عن عبد الرحمن بن أنس السُّلمي، عن العباس بن مرداس، أنَّه كان يُغير (٢) في لِقاحٍ له نصفَ النهار، إذْ طلعتْ عليه نعامةٌ بيضاء، عليها راكبٌ عليه ثيابُ بياض مثل اللَّبَن، فقال: يا عباَّس بن مِرْدَاس، ألم ترَ أنَّ السماءَ قد كفَّتْ أحراسَها، وأنَّ الحرب تجرَّعتْ أنفاسها، وأنَّ الخيل وضعتْ أحلاسها (٣)، وأنَّ الدِّين (٤) نزل بالبرِّ والتقوى، يومَ الاثنين ليلةَ الثلاثا، صاحب الناقة القَصْوا (٥). قال: فرجعتُ مَرْعوبًا قد راعني ما رأيتُ وسمعت، حتى جئتُ وثنًا لنا يُدعى الضّمار (٦)، وكنَّا نعبدُه ونكَلَّم من جَوْفه؛ فكنستُ ما حوله، ثمّ تمسَّحْتُ به وقتَلْته، فإذا صائحٌ، من جوفه يقول: [من الكامل]

قلْ للقبائلِ من سليمٍ كُلِّها … هلكَ الضّمَارُ (٣) وفازَ أهلُ المسجدِ

هلكَ الضّمَارُ (٣) وكان يعبدُ مَرَّةً … قَبلَ الصلاةِ مع النبيِّ محمَّدِ

إنَّ الذي ورِثَ النبوَّةَ والهُدَى … بَعْدَ ابْنِ مريمَ من قريشٍ مهتدِ (٧)

قال: فخرجتُ مَرْعُوبًا حتى أتيتُ قومي، فقصصتُ عليهم القصة، وأخبرتُهم الخبر، وخرجتُ في ثلاثمئة من قومي من بني حارثة إلى رسول الله وهو بالمدينة، فدخلنا المسجد، فلما رآني رسولُ اللّه


(١) في ط: حدثنا، والمثبت من ح والهواتف.
(٢) في ط: يعر. والمثبت من ح والهواتف وتاريخ ابن عساكر، وفي رواية أخرى عند ابن عساكر (ص ٢٣٨): بغمرة، وغمرة موضع بالحجاز في طريق مكة.
(٣) "أحلاس": جمع حِلْس: وهو ما ولي ظهر الدابة تحت الرحل والقتب والسرج. المعجم الوسيط (حلس).
(٤) في ط: الذي، والمثبت من ح والهواتف وتاريخ ابن عساكر.
(٥) القصوا: بألف من غير همز، مراعاة للفاصلة في السجع كما في ح والقصواء: لقب ناقة رسول اللّه ، والقصواء: الناقة التي قطع طرف أذنها، ولم تكن ناقة النبي قصواء، وإنما كان هذا لقبًا لها. وقيل: كانت مقطوعة الأذن. النهاية (٤/ ٧٥/ قصو). والعبارة كما يبدو مضطربة، وكذا هي في الهواتف، وكذا رواها ابن عساكر عن الخرائطي، ولابن عساكر (ص ٢٣٩) رواية أخرى عن سليمان بن الحسن عن عمرو بن عثمان به وفيها: "مع صاحب الناقة القصوى" وكذا في الرواية عند أبي نعيم الآتي ذكرها، وبهذه الرواية يزول الاضطراب من رواية الخرائطي والله أعلم.
(٦) في ح، ط وأصل الهواتف وأصول تاريخ ابن عساكر: الضماد، بالدال المهملة والمثبت من السيرة النبوية والروض الأنف ومعجم البلدان (٣/ ٤٦٢) والتاج (ضمر). وضبطه السهيلي في الروضِ وياقوت: ضَمَار. على وزن فَعَالِ. وضبطه صاحب التاج "ضِمار" بكسر أوله. وقال السهيلي: هو مثل حَذام ورقاشِ، ولا يكون مثل هذا البناء إلا في أسماء المؤنث، وكانوا يجعلون آلهتهم إناثًا كاللات والعزى ومناة لاعتقادهم الخبيث في الملائكة أنها بنات. وفي ضمار لغة أهل الحجاز وبني تميم البناء على الكسر لا غير من أجل أن آخره راء، وما لم يكن في آخره راء كخدام ورقاش فهو مبني في لغة أهل الحجاز ومعرب غير مجرى في لغة غيرهم، كذلك قال سيبويه. الكتاب (٣/ ٢٧٨ - ٢٨١) (ط هارون)، (٢/ ٤١) (ط بولاق).
(٧) الأبيات في المصادر السابقة على خلاف في بعض الألفاظ.