للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حتَّى بُعث رسول الله فسيَّبوا أنعامَهم، وأعتقوا رقيفهم. فقال عبدُ يا ليل: انظروا، فإنْ كانتِ النجومُ التي تُعرف فهو عند فناء الناس، وإن كانت لا تعرف فهو لأمرٍ قد حدث. فنظروا فإذا هي لا تُعرف. قال: فأمسكوا فلم يلبثوا إلا يسيرًا حتَّى جاءهم خروجُ النبيِّ .

وروى البيهقي (١) والحاكم من طريق العَوْفي عن ابن عباس قال: لم تكن سماءُ الدنيا تحرسُ في الفترة بين عيسى ومحمد صلوات اللَّه عليهما وسلامه، فلعل مرادَ مَنْ نَفَى ذلك أنها لم تكنْ تُحْرَسُ حراسةً شديدة، ويجب حمل ذلك على هذا، لما ثبت في الحديث (٢) من طريق عبد الرزاق، عن معمر عن الزُّهْري عن علي بن الحسين، عن ابن عباس : بينا رسولُ الله جالسٌ إذْ رُمي بنجم فاستنار فقال: "ما كنتم تقولون إذا رُمي بهذا؟ " قال: كنا نقول: مات عظيم، وولد عظيم، فقال: "لا ولكن". فذكر الحديث كما تقدَّم عند خلق السماء وما فيها من الكواكب في أول بدء الخلق وللّه الحمد (٣).

وقد ذكر ابن إسحاق في "السيرة" (٤) قصة رمي النجوم وذكر عن كبير ثَقِيف أنه قال لهم في النظر في النجوم: إنْ كانت أعلامُ السماء أو غيرها (٥)، ولكن سماه عمرو بن أمية. فاللّه أعلم.

وقال السُّدِّي: لم تكن السماء تُحرس إلا أن يكونَ في الأرض نبيٌّ أو دِينٌ للهِ ظاهر، وكانتِ الشياطينُ قبل محمد قد اتخذتِ المقاعد في سماءَ الدنيا، يستمعون ما يحدثُ في السماء من أمر، فلما بَعَثَ اللَّه محمدًا نبيًّا رُجموا ليلة من الليالي، ففزِعَ لذلك أهلُ الطائف، فقالوا: هلك أهلُ السماء لما رأوا من شدَّةِ النار في السماء، واختلاف الشهب، فجعلوا يعتقون أرقَّاءهم، ويُسَيِّبون مواشيَهم، فقال لهم عبدُ يا ليل بن عمرو بن عمير: ويحكم يا معشر أهلِ الطائف أمسكوا عن أموالكم، وانظروا (٦) في معالم النجوم، فإن رأيتموها مستقرة (٧) في أمكنتها فلم يهلك أهلُ السماء، وإنما هو (٨) من ابن أبي كبشة، وإنْ أنتم لم ترَوْها فقد أُهلك أهل السماء، فنظروا فرأوها، فكفُّوا عن أموالهم، وفزِعَتِ الشياطين في تلك الليلة، فأتَوا إبليس فقال: ائتوني من كلِّ أرضٍ بقبضةٍ من تراب. فأتَوْه، فشمَّ فقال: صاحبُكم بمكة. فبعث سبعةَ نفَرٍ من جِنِّ نَصِيبين، فقدموا مكة، فوجدوا رسولَ اللَّه في المسجد الحرام يقرأُ القرآن،


(١) دلائل البيهقي (٢/ ٢٤١)، وإسناده ضعيف لضعف العوفي واسمه عطية، وما قبله مجاهيل.
(٢) كما في دلائل البيهقي (٢/ ٢٣٨) وبنحوه أخرجه مسلم (٢٢٢٩) (١٢٤) في السلام باب تحريم الكهانة من طريق صالح عن ابن شهاب به. وبنحوه أورده ابن هشام في السيرة عن ابن إسحاق به.
(٣) انظر ما تقدم (١/ ١٥) وما بعدها.
(٤) سيرة ابن إسحاق (ص ١١٣) وسيرة ابن هشام (١/ ٢٠٦) والروض (١/ ٢٣٦).
(٥) في السيرة والروض: فإن كانت معالم النجوم التي يهتدى بها …
(٦) في ح: إلى.
(٧) في ح: مستمرة.
(٨) في ح: هذا.