للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فأقبل النَّضْر وعُقبة حتى قدما على قريش فقالا: يا معشر قريش، قد جئناكم بفصل ما بينكم وبين محمد، قد أمَرَنا أحبارُ يهود أن نسأله عن أمور فأخبروهم بها، فجاؤوا رسولَ الله فقالوا: يا محمد، أخبرْنا فسألوه عما أمروهم به. فقال لهم رسول الله : "أخبرُكم غدًا بما سألتُم عنه"، ولم يستثن. فانصرفوا عنه، ومكثَ رسولُ الله خمسَ عشرةَ ليلةً لا يُحْدِثُ له في ذلك وَحْيًا، ولا يأتيه جبريل، حتى أرجف أهلُ مكة وقالوا: وعَدَنا محمدٌ غدًا واليوم خمس عشرة ليلة قد أصبحنا فيها لا يخبرنا بشيءٍ مما سألناه عنه، وحتى أحْزَنَ رسولَ الله مكْثُ الوحي عنه، وشقَّ عليه ما يتكلَّم به أهلُ مكة، ثم جاءه جبريل من الله ﷿ بسورة الكهف، فيها معاتبته إياه على حُزْنه عليهم، وخبر (١) ما سألوه عنه، من أمر الفتية والرجل الطوَّاف، وقال الله تعالى: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [الإسراء: ٨٥].

وقد تكلَّمنا على ذلك كلِّه في التفسير مطولًا، فمن أراده فعليه بكشفه من هناك.

ونزل قوله تعالى: ﴿أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحَابَ الْكَهْفِ وَالرَّقِيمِ كَانُوا مِنْ آيَاتِنَا عَجَبًا﴾ [الكهف: ٩] ثم شرَعَ في تفصيلِ أمرهم واعترض في الوسط بتعليمه الاستثناء (٢) تحقيقًا لا تعليقًا في قوله: ﴿وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (٢٣) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَاذْكُرْ رَبَّكَ إِذَا نَسِيتَ﴾ [الكهف: ٢٣ - ٢٤] ثم ذكر قصة موسى لتعلُّقها بقصة الخضِر، ثم ذي القرنَيْن، ثم قال: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا﴾ [الكهف: ٨٣] ثم شرح أمره وحكى خَبَره.

وقال في سورة سبحان: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي﴾ [الإسراء: ٨٥] أي: خَلْقٌ عجيبٌ من خلْقه، وأمْرٌ من أمْرِه، قال لها: كوني فكانت. وليس لكم الاطلاع على كل ما خلَقَه، وتفسير كيفيته (٣)، في نفس الأمر يصعُب عليكم بالنسبة إلى قدرةِ الله تعالى وحكمته، ولهذا قال: ﴿وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [الإسراء: ٨٥] وقد ثبت في الصحيحَيْن (٤) أنَّ اليهود سألوا عن ذلك رسولَ الله بالمدينة، فتلا عليهم هذه الآية -فإمَّا أنها نزلَتْ مرَّةً ثانية، أو ذَكرها جوابًا (٥) - وإن كان نزولُها متقدِّمًا، ومن قال: إنها إنما نزلتْ بالمدينة واستثناها من سورة سُبْحَان، ففي قوله نظر، والله أعلم.

قال ابنُ إسحاق (٦): ولما خَشِيَ أبو طالبٍ دَهْمَ العرَبِ أن يركبوهُ مع قومه قال قصيدَته التي تعوَّذَ فيها


(١) في ط: فأخبراهم. والمثبت من ح وسيرة ابن إسحاق.
(٢) في ح: الأنبياء، تصحيف.
(٣) في ط: وتصوير حقيقته، والمثبت من ح.
(٤) فتح الباري (٤٧٢١) التفسير [سورة: ١٧] باب ويسألونك عن الروح، وصحيح مسلم (٢٧٩٤) (٣٢) صفات المنافقين باب سؤال اليهود النبي عن الروح.
(٥) في ح: أو ذكرنا جوابها.
(٦) سيرة ابن هشام (١/ ٢٧٢) والروض (٢/ ١٣) وفي سيرة ابن هشام (ص ١٥٦) سبعة الأبيات الأولى من القصيدة. =