للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رسولِ اللَّه ، وكان آخرَ النهار مَسْلَحةً له (١). قال: فنزل رسولُ اللَّه جانب الحرَّة، ثم بعث إلى الأنصار، فجاؤا فسلَّموا عليهما وقالوا: اركبا آمنين مطاعين (٢). فركب رسولُ اللَّه وأبو بكر، وحفُّوا حولهما بالسلاح، وقيل في المدينة: جاء نبيُّ اللَّه فاستشرفوا نبيَّ اللَّه ينظرون إليه ويقولون: جاء نبيُّ اللَّه . قال: فأقبل يسيرُ حتى نزل (٣) إلى جانب جار أبي أيوب، قال: فإنه ليحدث أهله (٤) إذْ سمع به عبدُ اللَّه بن سلام وهو في نخلٍ لأهله، يَخْتَرِفُ لهم (٥)، فعجل أن يضع الذي يخترف فيها، فجاء وهي معه، فسمع من نبيِّ اللَّه ، فرجع إلى أهله، فقال نبيُّ اللَّه : "أيُّ بيوتِ أهلنا أقرب"؟ فقال أبو أيوب: أنا يا نبيَّ اللَّه، هذه داري، وهذا بابي. قال: "فانطلق فهيِّئ لنا مَقيلًا" فذهب فهيَّأ [لهما مقيلًا] ثم جاء فقال: يا رسولَ اللَّه! قد هيَّأتُ مقيلًا، قوما على بركة اللَّه فقيلا. فلما جاء نبيُّ اللَّه جاء عبد اللَّه بن سَلام فقال: أشهدُ أنك نبيُّ اللَّه حقًا، وأنك جئتَ بحق، ولقد علمت يهودُ أني سيِّدهم وابنُ سيدِهم، وأعلمهم وابن أعلمهم، فادْعُهم فسَلْهم، فدخلوا عليه، فقال لهم رسول اللَّه : "يا معشر اليهود، ويلكم اتقوا اللَّه فوالذي لا إله إلا اللَّه إنكم لتعلمونَ أني رسولُ اللَّه حقًا، وأني جئت بحق، أسْلِمُوا". فقالوا: ما نعلمه -ثلاثًا-.

وكذا رواه البخاري (٦) منفردًا به عن محمد -غير منسوب- عن عبد الصمد به.

قال ابن إسحاق (٧): وحدَّثني يزيد بن أبي حَبيب عن مَرْثَد بن عبد اللَّه اليَزَني، عن أبي رُهْم السَّمَاعي، حدَّثني أبو أيوب، قال: لما نزل عليَّ رسولُ اللَّه في بيتي نزل في السُّفْل، وأنا وأمُّ أيُّوب في العُلْو، فقلت له: بأبي أنتَ وأُمِّي يا رسولَ اللَّه! إني أكره وأُعْظِمُ أن أكون فوقك وتكون تحتي، فاظْهَرْ أنت فكُنْ في العُلْو وننزل نحن فنكون في السُّفْل. فقال: "يا أبا أيُّوب! إنَّ أرفقَ بنا وبمن يَغْشانا أن أكون في سُفْل البيت" فكان رسولُ اللَّه في سُفله وكنّا فوقه في المَسْكن؛ فلقد انكسر حُبٌّ لنا فيه ماءٌ، فقمتُ أنا وأم أيوب بقَطيفةٍ لنا، ما لنا لحافٌ غيرها ننشفُ بها الماء، تخوُّفًا أن يقطُرَ على رسولِ اللَّه منه شيءٌ فيؤذيه.

قال: وكنا نصنع له العشاء، ثم نبعث به إليه، فإذا ردَّ علينا فَضْلَه تيمَّمْتُ أنا وأمُّ أيوب مَوْضِعَ يده


(١) أي بمثابة المسلحة، وهو المكان الذي يراقَبُ منه العدوّ يقيم فيه القوم ذوو السلاح لئلا يطرقهم على غفلة. انظر النهاية لابن الأثير (سلح).
(٢) في المسند: مطمئنَّين.
(٣) في المسند: جاء إلى جانب.
(٤) في المسند: أهلها. وهو أشبه.
(٥) يخترف لهم: يجني لهم من ثماره. القاموس (خرف).
(٦) فتح الباري (٣٩١١) مناقب الأنصار باب هجرة النبي وأصحابه إلى المدينة.
(٧) في سيرة ابن هشام (١/ ٤٩٨) والروض (٢/ ٢٣٩).