للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عباس عن داره [حتى أنزله فيها كما أنزل رسولَ اللَّه في داره] (١)، وملَّكه كلَّ ما أغلق عليها بابها. ولما أراد الانصراف أعطاهُ ابنُ عباس عشرين ألفًا، وأربعين عبدًا. وقد صارت دارُ أبي أيوب بعده إلى مولاه أفلح. فاشتراها منه المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث بن هشام بألف دينار وصلَّح ما وَهَى من بُنيانها ووهَبها لأهل بيتٍ فقراء من أهل المدينة.

وكذلك نزولُه في دار بني النجَّار واختيار اللَّه له ذلك منقبةٌ عظيمة لهم، وقد كان في المدينة دورٌ كثيرة تبلغ تسعًا، كل دار محلَّة مستقلةٌ بمساكنها ونخيلها وزروعِها وأهلِها، كل قبيلة من قبائلهم قد اجتمعوا في محلَّتهم وهي كالقرى المتلاصقة، فاختار اللَّه لرسولِ اللَّه دار بني مالك بن النجَّار.

وقد ثبث في الصحيحين (٢) من حديث شعبة، سمعتُ قتادة عن أنس بن مالك. قال: قال رسولُ اللَّه : "خيرُ دورِ الأنصار بنو النجَّار، ثم بنو عبد الأشْهَل، ثم بنو الحارث بن الخَزْرَج، ثم بنو ساعدة، وفي كلِّ دورِ الأنصار خير" فقال سعدُ بن عُبَادة: ما أُرى النبيَّ إلا قد فضل علينا. فقيل: قد فضَّلكم على كثير. هذا لفظ البخاري.

وكذلك رواه البخاري ومسلم (٣) من حديث أنس وأبي سَلَمة عن أبي أُسَيْد مالك بن ربيعة. ومن حديث عباس (٤) بن سهل، عن أبي حُميد، عن النبيِّ بمثله سواء.

زاد في حديث أبي حُميد؛ فقال أبو أُسَيد لسعد بن عبادة (٥): ألم تر أنَّ النبيَّ خيَّرَ الأنصار فجعلنا آخرًا، فأدرك سعدٌ النبيَّ فقال: يا رسول اللَّه! خيَّرت دورَ الأنصار فجعلتنا آخرًا؟ قال: "أو ليس بحَسْبكم أن تكونوا من الأخيار" (٦).

بل قد ثبت لجميع من أسلم من أهل المدينة وهم الأنصار الشرفُ والرفعةُ في الدنيا والآخرة. قال اللَّه تعالى: ﴿وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ [التوبة: ١٠٠] وقال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ [الحشر: ٩] وقال رسولُ اللَّه :


(١) ما بين المعقوفين ليس في ح.
(٢) فتح الباري (٣٧٨٩) مناقب الأنصار باب فضل دور الأنصار، وصحيح مسلم (٢٥١١) (١٧٧) فضائل الصحابة باب في خير دور الأنصار.
(٣) الأحاديث التي تلي الحديث السابق ذكره مخرجة في البخاري ومسلم.
(٤) في ح، ط: عبادة بن سهل. تصحيف، والمثبت من فتح الباري (٧/ ١١٥) والحديث فيه رقم (٣٧٩١).
(٥) كذا في ح، ط وفي البخاري: فلحقنا سعد بن عبادة فقال: أبا أُسَيد، ألم تر. . وهو أشبه بالصواب.
(٦) رواية البخاري: من الخيار.