للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال (١): لمّا نزل الخمس نزل كما قسمه عبد اللَّه بن جحش. كما قاله.

قال ابن إسحاق (٢): فلما قدموا على رسول اللَّه قال: "ما أمرتكم بقتال في الشهر الحرام". فوقف العير والأسيرين وأبى أن يأخذ من ذلك شيئًا، فلمّا قال ذلك رسول اللَّه ، أسقط في أيدي القوم، وظنّوا أنّهم قد هلكوا وعنَّفَهم إخوانهم من المسلمين فيما صنعوا، وقالت قريش: قد استحلّ محمد وأصحابه الشهر الحرام، وسفكوا فيه الدّم، وأخذوا فيه الأموال، وأسروا فيه الرجال. فقال من يردّ عليهم من المسلمين ممّن كان بمكة: إنما أصابوا ما أصابوا في شعبان. وقالت يهود، تفائل بذلك على رسول اللَّه : عمرو بن الحضرميّ قتله واقد بن عبد اللَّه؛ عمرو عمرت الحرب، والحضرميّ حضرت الحرب، وواقد بن عبد اللَّه وقدت الحرب. فجعل اللَّه ذلك عليهم لا لهم، فلمّا أكثر الناس في ذلك أنزل اللَّه تعالى على رسوله (٣): ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَإِخْرَاجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللَّهِ وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا﴾ [البقرة: ٢١٧] (٤) أي؛ إن كنتم قتلتم في الشهر الحرام فقد صدّوكم عن سبيل اللَّه مع الكفر به، وعن الصسجد الحرام، وإخراجكم منه وأنتم أهله، أكبر عند اللَّه من قتل من قتلتم منهم ﴿وَالْفِتْنَةُ أَكْبَرُ مِنَ الْقَتْلِ﴾ أي: قد كانوا يفتنون المسلم عن دينه حتى يردّوه إلى الكفر بعد إيمانه، فذلك أكبر عند اللَّه من القتل، ثم هم مقيمون على أخبث ذلك وأعظمه غير تائبين ولا نازعين، ولهذا قال اللَّه تعالى: ﴿وَلَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا﴾ الآية.

قال ابن إسحاق (٥): فلمّا نزل القرآن بهذا من الأمر وفرّج اللَّه عن المسلمين ما كانوا فيه من الشّفق (٦)، قبض رسول اللَّه العير والأسيرين، وبعثت قريش في فداء عثمان والحكم بن كيسان، فقال رسول اللَّه : "لا نفديكموهما حتّى يقدم صاحبانا -يعني سعد بن أبي وقّاص، وعتبة بن غزوان- فإنّا نخشاكم عليهما، فإن تقتلوهما، نقتل صاحبيكم". فقدم سعد وعتبة، فأفداهما رسول اللَّه . فأمّا الحكم بن كيسان فأسلم فحسن إسلامه، وأقام عند رسول اللَّه حتى قتل يوم بئر معونة شهيدًا، وأما عثمان بن عبد اللَّه فلحق بمكة، فمات بها كافرًا.


(١) انظر "السيرة النبوية" لابن هشام (١/ ٦٠٥).
(٢) انظر "السيرة النبوية" لابن هشام (١/ ٦٠٣ - ٦٠٤).
(٣) انظر "تفسير ابن كثير" (١/ ٣٦٨ - ٣٧٢).
(٤) ورواه البيهقي في "السنن الكبرى" (٩/ ١١) وحسَّنه الحافظ ابن حجر في "العجاب في بيان الأسباب" وسيأتي عند المصنف من رواية ابن أبي حاتم.
(٥) انظر "السيرة النبوية" لابن هشام (١/ ٦٠٤ - ٦٠٥).
(٦) الشفق: الخوف.