للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فضربوهما، فلمّا أذلقوهم (١) قالا: نحن لأبي سفيان. فتركوهما، وركع رسول اللَّه ، وسجد سجدتيه وسلّم، وقال: "إذا صدقاكم ضربتموهما، وإذا كذباكم تركتموهما! صدقا واللَّه، إنّهما لقريشٍ، أخبراني عن قريشٍ". قالا: هم وراء هذا الكثيب الذي ترى بالعدوة القصوى. والكثيب: العقنقل (٢). فقال لهما رسول اللَّه : "كم القوم؟ " قالا: كثيرٌ. قال: "ما عدّتهم؟ ". قالا: لا ندري. قال: "كم ينحرون كلّ يومٍ؟ ". قالا: يومًا تسعًا، ويومًا عشرًا. فقال رسول اللَّه : "القوم ما بين التّسعمئة إلى الألف". ثم قال لهما: "فمن فيهم من أشراف قريشٍ؟ ". قالا: عتبة بن رَبيعة، وشيبة بن ربيعة، وأبو البختريّ بن هشامٍ، وحكيم بن حزامٍ، ونوفل بن خويلدٍ، والحارث بن عامرٍ بن نوفلٍ، وطعيمة بن عديّ بن نوفلٍ، والنّضر بن الحارث، وزمعة بن الأسود، وأبو جهل بن هشامٍ، وأميّة بن خلفٍ، ونبيهٌ ومنبِّهٌ ابنا الحجّاج، وسهيل بن عمروٍ، وعمرو بن عبد ودٍّ. قال: فأقبل رسول اللَّه على الناس فقال: "هذه مكة قد ألقت إليكم أفلاذ كبدها".

قال ابن إسحاق (٣): وكان بسبس بن عمروٍ، وعديّ بن أبي الزّغباء (٤) قد مضيا حتى نزلا بدرًا، فأناخا إلى تلٍّ قريبٍ من الماء، ثم أخذا شنًّا (٥) لهما يستقيان فيه، ومجديّ بن عمروٍ الجهنيّ على الماء، فسمع عديٌّ وبسبسٌ جاريتين من جواري الحاضر وهما تتلازمان على الماء، والملزومة تقول لصاحبتها: إنّما تأتي العير غدًا أو بعد غدٍ، فأعمل لهم ثم أقضيك الذي لك. قال مجديٌّ: صدقت. ثم خلّص بينهما. وسمع ذلك عديٌّ وبسبسٌ، فجلسا على بعيريهما، ثم انطلقا حتى أتيا رسول اللَّه ، وأخبراه بما سمعا، وأقبل أبو سفيان حتى تقدّم العير حذرًا، حتى ورد الماء، فقال لمجديّ بن عمروٍ: هل أحسست أحدًا؟ قال: ما رأيت أحدًا أنكره، إلّا أني قد رأيت راكبين قد أناخا إلى هذا التّلّ، ثم استقيا في شنٍّ لهما، ثم انطلقا. فأتى أبو سفيان مناخهما، فأخذ من أبعار بعيريهما ففتّه، فإذا فيه النّوى، فقال: هذه واللَّه علائف يثرب. فرجع إلى أصحابه سريعًا، فضرب وجه عيره عن الطريق، فساحل بها (٦) وترك بدرًا بيسارٍ، وانطلق حتى أسرع، وأقبلت قريشٌ، فلمّا نزلوا الجحفة، رأى جهيم بنُ الصّلت بن مخرمة ابن المطّلب بن عبد منافٍ رؤيا، فقال: إنّي رأيت (٧) فيما يرى النائم، وإني لبين النائم واليقظان، إذ نظرت إلى رجلٍ قد أقبل على فرسٍ، حتى وقف ومعه بعيرٌ له، ثم قال: قتل عتبة بن ربيعة، وشيبة بن ربيعة، وأبو الحكم بن هشامٍ، وأميّة بن خلفٍ، وفلانٌ، وفلانٌ. فعدّ رجالًا ممّن قتل يوم بدرٍ من


(١) أذلقوهما: بالغوا في ضربهما وآذوهما. انظر "شرح غريب السيرة" لأبي ذر الخشني (٢/ ٣٤).
(٢) العقنقل: الرمل المتراكم. انظر "شرح غريب السيرة" للخشني (٢/ ٣٥).
(٣) انظر "السيرة النبوية" لابن هشام (١/ ٦١٧ - ٦١٨).
(٤) تصحفت في (أ) إلى "الرغباء" وأثبت لفظ (ط) وهو موافق لما في "السيرة النبوية".
(٥) الشن: القربة. انظر "مختار الصحاح" (شنن).
(٦) فساحل بها: أي أخذها إلى طريق الساحل.
(٧) لفظ "رأيت"، سقط من (أ) وأثبته من (ط) و"السيرة النبوية" لابن هشام.