للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهذا حديث غريب من هذا الوجه.

وقال الإمام أحمد (١): ثنا سليمان، ثنا شعبة، عن معاوية بن قُرَّة، عن أنس، أن رسول اللَّه قال، وهم يحفرون الخندق: "اللهم لا خير إلا خير الآخرة، فأصلح الأنصار والمهاجرة".

وأخرجاه في "الصحيحين" (٢) من حديث غُنْدَر (٣)، عن شُعبة.

قال ابن إسحاق (٤): وقد كان في حفر الخندق أحاديث بلغتني، فيها [من اللَّه] تعالى عبرة في تصديق رسول اللَّه ، وتحقيق نبوّته، عاين ذلك المسلمون، فمن ذلك أن جابر بن عبد اللَّه كان يُحدّث أنه اشتدت عليهم في حفر الخندق كُدْيَة (٥)، فشكَوها إلى رسول اللَّه ، فدعا بإناءٍ من ماءٍ، فتفل فيه، ثم دعا بما شاء اللَّه أن يدعو به، ثم نضح الماء على تلك الكُدْيَة، فيقول من حضرها: فوالذي بعثه بالحقّ لانهالت حتى عادت كالكثيب ما ترد فأسًا ولا مسحاة. هكذا ذكره ابن إسحاق منقطعًا، عن جابر بن عبد اللَّه، .

وقد قال البخاري (٦)، : [حدثنا خلَّاد بن يحيى]، ثنا عبد الواحد بن أيمن، عن أبيه قال: أتيت جابرًا فقال: إنَّا يوم الخندق نحفر، فعرضت كَيْدة (٧) شديدة، فجاءوا النبي فقالوا: هذه كُدية عرضت في الخندق. فقال: "أنا نازل". ثم قام وبطنه معصوب بحجر، ولبثنا ثلاثة أيام لا نذوق ذَواقًا، فأخذ النبي المعول فضرب، فعاد كثيبًا أهيل أو أهيم، فقلت: يا رسول اللَّه، ائذن لي إلى البيت. فقلت لامرأتي: رأيت بالنبي شيئًا ما كان في ذلك صبر، فَعِنْدي شيء؟ قالت: عندي شعير وعَنَاق (٨). فذبحت العناق، وطحنت الشعير، حتى جعلنا اللحم في البُرمة، ثم جئت النبي ، والعجين قد انكسر، والبرمة بين الأثافي قد كادت أن تنضج، فقلت: طُعيم (٩) لي، فقم أنت يا رسول اللَّه ورجل أو رجلان. قال: "كم هو؟ ". فذكرت له، قال: "كثير طيب، قل لها لا تنزع البرمة و [لا] الخبز من التنُّور حتى آتي". فقال: "قوموا". فقام المهاجرون والأنصار، فلما دخل على امرأته قال: ويحكِ، جاء النبي بالمهاجرين والأنصار ومن معهم. قالت: هل سألك؟ قلت:


(١) رواه أحمد في "المسند" (٣/ ٢١٠).
(٢) رواه البخاري رقم (٦٤١٣) ومسلم رقم (١٨٠٥).
(٣) وهو لقبه، واسمه (محمد بن جعفر الهذلي البصري). انظر "تحرير تقريب التهذيب" (٣/ ٢٢٢).
(٤) انظر "السيرة النبوية" لابن هشام (٢/ ٢١٧).
(٥) الكدية: القطعة الصلبة من الأرض لا يعمل فيها المعول.
(٦) رواه البخاري رقم (٤١٠١).
(٧) وهي القطعة الصلبة من الأرض وانظر "فتح الباري" (٧/ ٣٩٦).
(٨) العناق: الأنثى من ولد الماعز.
(٩) الطُعَيم: تصغير طعام.