للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

نعم. فقال: "ادخلوا ولا تضاغطوا" (١). فجعل يكسر الخبز، ويجعل عليه اللحم، ويخمِّر البُرمة والتنُّور إذا أخذ منه، ويقرّب إلى أصحابه، ثم ينزع، فلم يزل يكسر [الخبز] ويغرف حتى شبعوا، وبقي بقية، قال: "كلي هذا وأهدِي، فإنَّ الناس أصابتهم مجاعة". تفرَّد به البخاري.

وقد رواه الإمام أحمد (٢)، عن وكيع، عن عبد الواحد بن أيمن، عن أبيه أيمن الحبشي مولى بني مخزوم، عن جابر بقصة الكُدية وربط الحجر على بطنه الكريم.

ورواه البيهقي في "الدلائل" (٣) عن الحاكم (٤)، عن الأصم، عن أحمد بن عبد الجبَّار، عن يونس بن بكير، عن عبد الواحد بن أيمن، عن أبيه، عن جابر، بقصة الكُدية والطعام، وطوله أتم من رواية البخاري؛ قال فيه: لما علم النبي بمقدار الطّعام قال للمسلمين جميعًا: "قوموا إلى جابر". فقاموا، قال: فلقيت من الحياء ما لا يعلمه إلا اللَّه، وقلت: جاء بالخَلق على صاع من شعير وعناق! ودخلت على امرأتي أقول: افتضحتِ؛ جاءكِ رسول اللَّه بالخندق أجمعين. فقالت: هل كان سألك كم طعامك؟ قل: نعم. فقالت: اللَّه ورسوله أعلم. قال: فكشفت عني غمًّا شديدًا. قال: فدخل رسول اللَّه فقال: "خذي ودعيني من اللحم". وجعل رسول اللَّه يثرد ويغرف اللحم، ثم يخمِّر هذا ويخمِّر هذا، فما زال يقرِّب إلى الناس حتى شبعوا أجمعين، ويعود التنور والقِدْرُ أملأَ ما كانا، ثم قال رسول اللَّه : "كلي وأهدي". فلم نزل نأكل ونهدي يومنا أجمع.

وقد رواه كذلك أبو بكر بن أبي شيبة (٥)، عن عبد الرحمن بن محمد المحاربي، عن عبد الواحد بن أيمن، عن أبيه، عن جابر، به، وأَبْسَطُ أيضًا، وقال في آخره: وأخبرني أنهم كانوا ثمانمئة أو قال: ثلاثمئة. وقال يونس بن بكير، عن هشام بن سعد، عن أبي الزّبير، عن جابر، فذكر القصة بطولها في الطعام فقط، وقال: وكانوا ثلاثمئة.

ثم قال البخاري (٦): حدثنا عمرو بن علي، حدثنا أبو عاصم، حدثنا حنظلة بن أبي سفيان، أخبرنا سعيد بن ميناء، سمعت جابر بن عبد اللَّه قال: لما حُفر الخندق رأيت من النبي خَمَصًا [شديدًا]، فانكفأت إلى امرأتي، فقلت: هل عندك شيء؛ [فإني] رأيت برسول اللَّه خمصًا شديدًا. فأخرجت إليّ جرابًا فيه صاع من شعير، ولنا بُهيمة داجن فذبحتها، وطحنت [الشعير]، ففرغت إلى فراغي، وقطعتها في برمتها، ثم وليت إلى رسول اللَّه فقالت: لا تفضحني برسول اللَّه وبمن معه. فجئته


(١) أي: لا تزاحموا.
(٢) رواه أحمد في "المسند" (٣/ ٣٠٠).
(٣) رواه البيهقي في "دلائل النبوة" (٣/ ٤١٥).
(٤) يعني صاحب "المستدرك على الصحيحين" وهو شيخ البيهقي.
(٥) انظر "دلائل النبوة" للبيهقي (٣/ ٤٢٢).
(٦) رواه البخاري رقم (٤١٠٢) وما بين الحاصرتين تكملة منه.