للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فساررته فقلت: يا رسول اللَّه، [ذبحنا] بهيمة لنا، وطحنَّا صاعًا من شعير كان عندنا، فتعال أنت ونفر معك. فصاح رسول اللَّه فقال: "يا أهل الخندق، إن جابرًا قد صنع سُؤْرًا (١)، فحي هلًا بكم". فقال رسول اللَّه : "لا تُنزلنَّ برمتكم، ولا تخبزُنَّ عجينكم حتى أجيء". فجئت، وجاء رسول اللَّه يقدَم الناس، حتى جئت امرأتي فقالت: بك وبك، فقلت: قد فعلتُ الذي قلتِ. فأخرجت لنا عجينًا، فبصق فيه وبارك، ثم عمد إلى برمتنا فبصق وبارك، ثم قال: "ادع خَبَّازة فلتخبز معك، واقدحي من بُرمتكم ولا تنزلوها". وهم ألف، فأقسم باللَّه لقد أكلوا حتى تركوه وانحرفوا، وإن بُرمتنا لتغطّ كما هي، وإنّ عجيننا كما هو.

[ورواه مسلم (٢)، عن حجَّاج بن الشاعر، عن أبي عاصم، به نحوه].

وقد روى محمد بن إسحاق (٣) هذا الحديث، وفي سياقه غرابة من بعض الوجوه، فقال: حدثني سعيد بن ميناء، عن جابر بن عبد اللَّه، قال: عملنا مع رسول اللَّه في الخندق، وكانت عندي شُويهة غير جدِّ سمينة. قال: فقلت: واللَّه لو صنعناها لرسول اللَّه . قال: وأمرتُ امرأتي فطحنت لنا شيئًا من شعير، فصنعت لنا منه خبزًا، وذبحتُ تلك الشاة فشويناها لرسول اللَّه ، فلما أمسينا وأراد رسول اللَّه الانصراف عن الخندق. قال: وكنا نعمل فيه نهارًا، فإذا أمسينا رجعنا إلى أهالينا. قال: فقلت: يا رسول اللَّه، إني قد صنعت لك شُويهة (٤) كانت عندنا، وصنعنا معها شيئًا من خبز هذا الشعير، فأنا أحب أن تنصرف معي إلى منزلي. قال: وإنما أريد أن ينصرف معي رسول اللَّه وحده. قال: فلما أن قلت ذلك قال: "نعم". ثم أمر صارخًا، فصرخ أن انصرفوا مع رسول اللَّه إلى بيت جابر بن عبد اللَّه. قال: قلت: إنا للَّه وإنا إليه راجعون. قال: فأقبل رسول اللَّه ، وأقبل معه الناس (٥)، فجلس وأخرجناها إليه. قال: فبرّك وسمى اللَّه تعالى ثم أكل، وتواردها الناس، كلما فرغ قوم. قاموا وجاء ناس، حتى صدر أهل الخندق عنها.

والعجب أن الإمام أحمد إنما رواه (٦) من طريق سعيد بن ميناء؛ عن يعقوب بن إبراهيم بن سعد، عن أبيه، عن ابن إسحاق، عنه، عن جابر مثله سواء.


(١) أي: طعامًا. وهي من الألفاظ الفارسية المعرَّبة.
(٢) في "صحيحه" رقم (٢٠٣٩).
(٣) انظر "السيرة النبوية" لابن هشام (٢/ ٢١٨).
(٤) الشويهة: تصغير شاة. انظر "مختار الصحاح" (شوه).
(٥) في (ط): "وأقبل الناس معه".
(٦) في "مسنده" (٣/ ٣٧٧)، وإسناده حسن.