للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قال ابن إسحاق (١): فلما كلّمته الأوس قال رسول الله : "يا معشر الأوس، ألا ترضون أن يحكم فيهم رجل منكم؟ " قالوا: بلى. قال: "فذلك إلى سعد بن معاذ" وكان رسول الله [قد جعل سعد بن معاذ] في خيمة لامرأة من أسلم، يقال لها: رُفيدة. في مسجده، وكانت تداوي الجرحى، فلما حكَّمه في بني قريظة، أتاه قومه فحملوه على حمار قد وطَّؤوا له بوسادة من أَدَم، وكان رجلًا جسيمًا جميلًا، ثم أقبلوا معه إلى رسول الله وهم يقولون: يا أبا عمرو، أحسن في مواليك، فإنَّ رسول الله إنما ولَّاك ذلك لتحسن فيهم. فلما أكثروا [عليه] قال: قد آن لسعد أن لا تأخذه في الله لومة لائم، فرجع بعض من كان معه من قومه إلى دار بني عبد الأشهل، فنعى لهم رجالَ بني قريظة قبل أن يصل إليهم سعد؛ عن كلمته التي سمع منه، فلمَّا انتهى سعد إلى رسول الله والمسلمين، قال رسول الله : "قوموا إلى سيِّدكم". فأما المهاجرون من قريش فيقولون: إنما أراد الأنصار. وأما الأنصار فيقولون: قد عمَّ رسول الله المسلمين. فقاموا إليه فقالوا: يا أبا عمرو، إن رسول الله قد ولَّاك أمر مواليك لتحكم فيهم. فقال سعد: عليكم بذلك عهد الله وميثاقه، أن الحكم [فيهم] لما حكمتُ؟ قالوا: نعم. قال: وعلى من هاهنا؟ في الناحية التي فيها رسول الله ، وهو معرض عن رسول الله ؛ إجلالًا له، فقال رسول الله : "نعم". قال سعد: فإني أحكم فيهم أن يقتل الرجال، وتقسم الأموال، وتُسبى الذَّراري والنساء.

قال ابن إسحاق (٢): فحدثني عاصم بن عمر بن قتادة، عن عبد الرحمن بن عمرو (٣) بن سعد بن معاذ، عن علقمة بن وقّاص اللَّيثي قال: قال رسول الله لسعد: "لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبعة أرقعةٍ (٤).

وقال ابن هشام (٥): حدثني من أثق به من أهل العلم، أنَّ علي بن أبي طالب صاح وهم محاصرو بني قريظة: يا كتيبة الإيمان. وتقدم هو والزبير بن العوَّام، وقال: والله لأَذوقنَّ ما ذاق حمزةُ أو أقتحم حصنهم. فقالوا: يا محمد، ننزل على حكم سعد بن معاذ.

وقد قال الإمام أحمد (٦): ثنا محمد بن جعفر، ثنا شعبة، عن سعد بن إبراهيم، سمعت أبا أُمامة بن سهل، سمعت أبا سعيد الخدري، قال: نزل أهل قريظة على حكم سعد بن معاذ. قال: فأرسل رسول الله إلى سعد، فأتاه على حمار، فلمَّا دنا قريبًا من المسجد، قال رسول الله : "قوموا إلى


(١) انظر "السيرة النبوية" لابن هشام (٢/ ٢٣٩).
(٢) انظر "السيرة النبوية" لابن هشام (٢/ ٢٤٠).
(٣) في (ط): "عن عبد الرحمن بن عمر … ".
(٤) وهو مرسل، وكذلك رواه ابن قدامة المقدسي في "العلو" مرسلًا.
(٥) انظر "السيرة النبوية" لابن هشام (٢/ ٢٤٠).
(٦) رواه أحمد في "المسند" (٣/ ٢٢).