للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عليك". فخرج بها واللهِ يأنِح (١)، يهرول هرولة، وإنّا لخلفه نتَّبع أثره، حتى ركز رايته في رضم من حجارة تحت الحصن، فاطّلع يهوديّ من رأس الحصن فقال: من أنت؟ قال: أنا علي بن أبي طالب. فقال اليهوديّ: علَيتم وما أُنزل على موسى. فما رجع حتى فتح اللّه على يديه.

وقال البيهقيّ (٢): أنبأ الحاكم، أنبأ الأصمّ، أنبأ العُطَارديّ، عن يونس بن بُكير، عن الحسين بن واقد، عن عبد اللّه بن بُرَيدة، أخبرني أبي قال: لمّا كان يوم خيبر، أخذ اللواء أبو بكر، فرجع ولم يُفتح له، وقتِل محمود بن مسلمة، فرجع الناس، فقال رسول الله : "لأدفعنّ لوائي غدًا إلى رجل يحبّ اللّهَ ورسوله، ويحبّه اللّهُ ورسوله، لن يرجع حتى يفتح له" فبتنا طيِّبة نفوسنا أنّ الفتح غدًا، فصلّى رسول اللّه صلاة الغداة، ثم دعا باللّواء وقام قائمًا، فما منّا من رجل له منزلة من رسول اللّه إلّا وهو يرجو أن يكون ذلك الرجل، حتى تطاولتُ أنا لها، ورفعت رأسي؛ لمنزلة كانت لي منه، فدعا عليّ بن أبي طالب، وهو يشتكي عينيه. قال: فمسحها، ثم دفع إليه اللّواء ففُتح له. فسمعت عبد اللّه بن بريدة يقول: حدّثني أبي أنّه كان صاحب مرحب. قال يونس: قال ابن إسحاق: كان أولُ حصون خيبر فتحًا حصنَ ناعم، وعنده قتل محمود بن مسلمة، أُلقيت عليه رحى منه فقتلته.

ثم روى البيهقيّ (٣) عن يونس بن بُكَير، عن المسيّب بن مَسْلَمة الأزديّ، ثنا عبد اللّه بن بريدة، عن أبيه قال: كان رسول اللّه ربما أخذته الشقيقة، فيلبث اليوم واليومين لا يخرج، فلمّا نزل خيبر أخذته الشقيقة، فلم يخرج إلى الناس، وإنْ أبا بكر أخذ راية رسول اللّه ، ثم نهض فقاتل قتالًا شديدًا ثم رجع، فأخذها عمر فقاتل قتالًا شديدًا هو أشدّ من القتال الأوَّل، ثم رجع، فأُخبر بذلك رسول اللّه فقال: "لأعطينها غدًا رجلًا يحبّ اللّهَ ورسوله ويحبّه اللّهُ ورسوله، يأخذها عنوة". وليس ثمّ عليّ، فتطاولتْ لها قريش، ورجا كلّ رجل منهم أن يكون صاحب ذلك، فأصبح، وجاء عليّ [بن أبي طالب] على بعير له حتى أناخ قريبًا، وهو أرمد قد عصب عينه بشقّة برد قِطْريّ، فقال رسول اللّه : "ما لك؟ " قال: رمدت بعدك. قال: "ادن مني". فتفل في عينه، فما وجِعها حتى مضى لسبيله، ثم أعطاه الراية فنهض بها، وعليه جبّة أُرجوان حمراء، قد أخرج خملها، فأتى مدينة خيبر، وخرج مرحب صاحب الحصن وعليه مغفر يمانيّ، وحجر قد ثقبه مثل البيضة على رأسه، وهو يرتجز ويقول: [من الرجز]

قَدْ عَلِمَتْ خيبرُ أَنِّي مَرْحَبُ … شاكٍ سِلاحي بطلٌ مُجَرّبُ

إذا اللّيوث أَقْبَلَتْ تَلَهَّبُ … وأَحْجَمَتْ عن صَوْلَةِ المُغَلَّبِ (٤)


(١) أي: حملها مثقلًا بها.
(٢) في "دلائل النبوة" (٤/ ٢١٠).
(٣) في "دلائل النبوة" (٤/ ٢١٠).
(٤) في البيت إقواء.