للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رِضا الله نَنْوي لا رِضا الناسِ نبْتغي … ولله ما يبدو جميعًا وما يَخْفَى

قال عباس بن مرداسٍ (١) أيضًا: [من البسيط]

ما بالُ عينِكَ فيها عائرٌ سَهِرُ … مثلُ الحَماطَةِ أغْضَى فوقَها الشُّفُرُ

عينٌ تأَوَّبها مِن شَجْوِها أرَقٌ … فالماءُ يَغْمُرُها طَوْرًا ويَنْحَدِرُ

كأنَّه نَظْمُ دُرٍّ عندَ ناظمِه … تقَطَّعَ السِّلْكُ مِنه فهْو مُنْتَثِرُ

يا بُعْدَ مَنْزِلِ مَن تَرْجو مَوَدَّتَه … ومَن أتَى دونَه الصَّمَّانُ فالحَفَرُ

دَعْ ما تقدَّم مِن عهدِ الشبابِ فقد … ولَّى الشبابُ وزار الشَّيْبُ والزَّعَرُ

واذكُرْ بلاءَ سُلَيْمٍ في مواطنِها … وفي سُلَيْمٍ لأهلِ الفخرِ مُفْتَخَرُ

قَومٌ هُمُ نصَروا الرحمنَ واتَّبَعوا … دينَ الرسولِ وأمْرُ الناسِ مُشْتَجِرُ

لا يَغْرِسون فَسِيلَ النخلِ وَسْطَهُم … ولا تَخاوَرُ في مَشْتاهمُ البقرُ

إلا سَوابِحَ كالعِقْبانِ مُقْرَبَةً … في دارَةٍ حولَها الأخْطارُ والعَكَرُ

تُدْعَى خُفافٌ وعوفٌ في جَوانبِها … وحيُّ ذَكْوانَ لا مِيلٌ ولا ضُجُرُ

الضاربون جنودَ الشِّرْكِ ضاحيةً … ببطنِ مكةَ والأرواحُ تُبْتدَرُ

حتى دفَعْنا وقَتْلاهم كأنهمُ … نخلٌ بظاهرةِ البَطْحاءِ مُنْقَعِرُ

ونحن يومَ حنينٍ كان مَشْهَدُنا … للدِّينِ عِزًّا وعندَ الله مُدَّخَرُ

إذ نَرْكَبُ الموتَ مُخْضَرًّا بَطائنُه … والخيلُ يَنْجابُ عنها ساطعٌ كَدِرُ

تحتَ اللِّواءِ مع الضَّحَّاكِ يَقْدُمُنا … كما مشَى الليثُ في غاباتِه الخَدِرُ

في مأْزِقٍ مِن مَجَرِّ الحربِ كَلْكَلُها … تَكادُ تأْفُلُ مِنه الشمسُ والقمرُ

وقد صبَرْنا بأوطاسٍ أسِنَّتَنا … للهِ نَنْصُرُ مَن شِئْنا ونَنْتَصِرُ

حتى تأوَّب أقوامٌ منازلَهم … لولا المليكُ ولولا نحن ما صدَروا

فما تَرى معشرًا قَلُّوا ولا كثُروا … إلا قدَ أصْبح منا فيهمُ أثَرُ

وقال عباسٌ (٢) أيضًا: [من الكامل]

يا أَيُّها الرّجلُ الذي تَهْوِي به … وَجْناءُ مُجْمَرَةُ المَناسِمِ عِرْمِسُ (٣)

إمَّا أتيْتَ على النبيِّ فقل له … حقًا عليك إذا اطْمَأَنَّ المَجْلِسُ


(١) الأبيات في "ديوانه" ص (٧٢ - ٧٤).
(٢) أي: ابن مرداس، والأبيات في "ديوانه" ص (٨٧ - ٨٩).
(٣) أي: شديدة.