للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأما قول محمد بن حزم في الكتاب الذي جمعه في حجة الوداع: ثم خرج إلى الصفا، فقرأ ﴿إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ﴾ [البقرة: ١٥٨] أبدًا بما بَدَأَ اللَّه به، فطاف بين الصَّفَا والمَرْوة أيضًا سبعًا راكبًا على بعير، يخُبُّ ثلاثًا، ويمشي أربعًا، فإنه لم يتابَعْ على هذا القول ولم يتفوَّه به أحدٌ قبله من أنه خبَّ ثلاثةَ أشواطٍ بين الصفا والمروة، ومشى أربعًا، ثم مع هذا الغلط الفاحش لم يذكر (١) عليه دليلًا بالكليّة، بل لمّا انتهى إلى موضع الاستدلال عليه قال: ولم نَجِدْ (٢) عَددَ الرَّمَل بين الصفا والمروة منصوصًا، ولكنه متفق عليهِ هذا لفظه، فإن أراد بأن الرَّمَلَ في الثلاث الطوفات (٣) الأُوَل على ما ذكر متفقٌ عليه، فليس بصحيح بل لم يقله أحدٌ، وإن أراد أن الرمل في الثلاث الأُوَل في الجملة متفق (٤) عليه فلا يُجْدي له شيئًا ولا يُحَصّل له مقصودًا (٥)، فإنّهم كما اتفقوا على الرَّمَل في الثلاث الأول في بعضها على ما ذكرناه، كذلك اتَّفقوا على استحبابه في الأربع الأُخر أيضًا. فتخصيص ابن حزم الثلاث الأول باستحباب الرمل فيها مخالف لما ذكره العلماء، واللَّه أعلم. وأما قول ابن حزم أنّه كان راكبًا بين الصفا والمروة، فقد تَقَدَّم عن ابن عمر أن رسول اللَّه كان يسعى بطنَ المَسيل أخرجاه. وللترمذيّ عنه: إن أسعى فقد رأيتُ رسول اللَّه يَسْعى، وإن مشيتُ فقد رأيتُ رسولَ اللَّه يمشي. وقال جابر: فلما انصبَّتْ قدماه في الوادي رَمَل حتى إذا صعدَ مشى. رواه مسلم. وقالت حبيبة بنت أبي تجراة (٦): يسعى يدور به إزاره من شدة السَّعي. رواه أحمد. وفي "صحيح مسلم" عن جابر كما تقدم أنه رَقيَ على الصفا حتى رأى البَيْتَ، وكذلك على المَرْوة.

وقد قدمنا من حديث محمد بن إسحاق، عن أبي جعفر الباقر، عن جابر: أنَّ رسول اللَّه أناخَ بعيرَه على باب المسجد -يعني حتى طاف- ثم لم يذكر أنه ركبه (٧) حال ما خرج إلى الصفا، وهذا كله مما يقتضي أنّه سعى بين الصفا والمروة ماشيًا.

ولكن قال مسلم (٨): حدّثنا عبد (٩) بن حُمَيْد، حدّثنا محمد -يعني ابن بكر- أنا ابن جُرَيْج، أخبرني أبو الزُّبَيْر، أنه سمع جابر بن عبد اللَّه يقول: طاف النبي في حجَّة الوداع على راحلته بالبيت


(١) أ: (لم يدل).
(٢) ط: (تجد)، أ: (تحدد) وما هنا للسياق.
(٣) أ: (أراد بالرسل).
(٤) ط: (الجملة المتفق عليه).
(٥) ط: (ولا يحصل له شيئًا مقصودًا).
(٦) ط: (مجزأه) خطأ. وقد تقدمت الإشارة إلى مصادر ترجمتها.
(٧) ط: (رجبه).
(٨) مسلم (١٢٧٣) (٢٥٥) مع (١٢٧٩).
(٩) أ: (عبد اللَّه).