للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عَوْص، فَبَعَث حينئذٍ زيدَ بن حارثة في جيش إليهم، فساروا إليهم من ناحية الأولاج، فأغار بالماقصِ من ناحية الحَرَّة، فجَمَعوا ما وَجَدوا من مالٍ وناسٍ، وقتلوا الهُنَيْد وابنَه ورَجُلَيْن من بني الأحْنَف، ورجلًا من بني خَصيبٍ، فلما احتاز زيدٌ أموالهم وذراريهم اجتمع نفرٌ منهم برفاعة بن زيد، وكان قد جاءه كتاب من رسول اللَّه يدعوهم إلى اللَّه، فَقَرأهُ عليهم رفاعةُ، فاستجاب له طائفةٌ منهم، ولم يَكُنْ زَيْدُ بن حارثة يعلمُ بذلك (١)، فركبوا إلى رسول اللَّه إلى المدينة في ثلاثة أيام فأَعْطَوْهُ الكِتابَ، فأمرَ بقراءَتِهِ جَهْرةً على الناس. ثم قال رسول اللَّه: "كَيْفَ أصْنَعُ بالقَتْلَى؟ " ثلاث مرات. فقال رجُلٌ منهم، يقال له: أبو زيد بن عمرو: أطْلِقْ لنا يا رسولَ اللَّهِ منْ كانَ حَيًّا، ومن قُتِلَ فهو تَحْتَ قَدَمي هذه؟ فبعثَ مَعَهم رسولُ اللَّه عليَّ بن أبي طالب. فقال عليّ: إن زيدًا لا يُطيعُني، فأعطاهُ رسولُ اللَّه سيفَه علامةً، فسار معهم على جَمَلٍ لهم. فَلَقوا زَيْدًا وجَيْشَه، ومعهم الأموالُ والذَّراري بفَيْفاء الفَحْلَتين، فَسَلَّمَهم عليٌّ جميعَ ما كانَ أُخِذَ لَهُمْ لم يفقدوا منه شيئًا.

بعث زيد بن حارثة (٢) أيضًا إلى بني فزارة بوادي القرى، فقتل طائفة من أصحابه وارْتُثَّ (٣) هو منْ بينِ القَتْلى، فلما رَجَعَ آلى أن لا يَمَسَّ رأسَه غُسْلٌ من جَنابةِ حتى يَغْزُوَهُمِ أيضًا، فلما اسْتَبَلَّ (٤) من جِراحِه بَعَثَهُ رسولُ اللَّه ثانيًا في جيشٍ، فَقَتَلَهُمْ بوادي القُرى، وأسرَ أُمَّ قِرْفةَ فاطِمَةَ بنتَ رَبيعةَ بن بدر، وكانَتْ عند مالكِ بن حُذَيْفَةَ بن بدرٍ، ومعها ابنة لها، فأمر زَيْدُ بن حارِثَة قَيْسَ بن المُسَحَّر اليَعْمريَّ، فَقَتَل أُمَّ قِرْفَةَ، واسْتَبْقَى ابنَتَهَا، وكانت من بَيْتِ شَرَفٍ، يُضْرَبُ بأم قِرفَةَ المَثَلُ في عِزّها (٥)، وكانتْ بنتُها مع سَلَمَة بن الأكْوَع فاستوَهَبها منه رسول اللَّه فأَعْطاه إيّاها، فوَهَبَها رسولُ اللَّه لخالِه حَزْن بن أبي وَهْبٍ، فوَلَدَتْ له ابنَهُ عبدَ الرحمن.

بَعْثُ عبد اللَّه بن رَوَاحة (٦) إلى خَيْبَرَ مَرَّتين: إحداهما التي أصاب فيها اليُسيرَ بن رِزامٍ، وكانَ يَجْمع غطفانَ لغزوِ رسولِ اللَّه فبعثَ رسولُ اللَّه عبد اللَّه بن رَواحة في نَفَرٍ منهم عبد اللَّه بن أُنَيْس فقدموا عليه، فلم يَزالوا يُرَغِّبونه ليُقْدِموه على رسول اللَّه ، فسار مَعَهم، فلما كانوا بالقَرْقَرَةِ على ستةِ أميالٍ من


(١) ط: (ذلك).
(٢) انظر سيرة ابن هشام (٢/ ٦١٧).
(٣) الارتثاث: أن يحمل الجريح من المعركة وهو ضعيف قد أثخنته الجراح، والرثيث أيضًا: الجريح (النهاية: رثَّ).
(٤) من قولهم: "بَلَّ من مرضه وأبلَّ، والبل الشفاء (النهاية: بلل).
(٥) يقال: أعز من أم قرفة، وأمنع من أم قرفة، أوردتهما في معجم الأمثال العربية (أمم - عزز - قرف - منع) ومصادرهما: مجمع الأمثال (٢/ ٤٥) و (٣٢٣)، والدرة الفاخرة (١/ ٢٩٧) و (٣٠٢)، وجمهرة الأمثال (٢/ ٣٣) و (٦٦) والمستقصى (١/ ٢٤٥) و (٣٦٨). واللسان: قرف.
(٦) سيرة ابن هشام (٢/ ٦١٨).