للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المؤمنين أكْيسُ؟ قال: أكْثَرُهُمْ ذِكْرًا للمَوْتِ وأحْسَنُهُم استعدادًا له قبلَ أنْ ينْزِلَ به، أولئك الأكْياس (١)، ثم سَكَتَ الفَتى. وأقْبَلَ علينا رسولُ اللَّه ، فقال: يا مَعْشَرَ المُهاجرين، خمسُ خِصالٍ إذا نَزَلْنَ بكم -وأعوذُ باللَّه أن تُدْرِكوهنَّ- إِنَّه لم تظْهَر الفاحِشَةُ في قَوْمٍ قَطّ حتّى يُعْلنوا بها (٢) إِلَّا ظَهَرَ فيهم الطّاعونُ والأوْجاعُ التي لم تكُنْ في أسْلافِهِم الذين (٣) مَضَوْا، ولم يَنْقُصوا المِكْيالَ والمِيزانَ إِلَّا أُخذوا بالسِّنين وشدَّة المُؤْنَةِ وجَوْرِ السُّلْطان، ولم يَمْنَعوا الزكاةَ من أموال إِلَّا مُنعوا القَطْر من السماء، فلولا البَهائمُ ما مُطروا، وما نقَضَوا عَهْدَ اللَّهِ وعهدَ رسولِهِ إِلَّا سَلَّطَ عليهم عَدُوًّا من غَيْرِهم، فأخذَ بعض ما كان في أيديهم، وما لَمْ يَحْكُمْ أئمتُهُمْ بكتابِ اللَّه ويتَخَيَّروا فيما أنزلَ اللَّهُ إلّا جَعَلَ اللَّه بَأْسَهُمْ بَيْنَهُم (٤). قال: ثم أمر عبدَ الرحمن بن عوفٍ أن يَتَجهَّزَ لسريَّةٍ بعثه (٥) عليها، فأصبحَ وقد اعتمَّ بعمامةٍ من كَرابيس (٦) سَوْداء، فأدْناهُ رسولُ اللَّه ، ثم نَقَضَها، ثم عَمَّمه بها، وأرسل منْ خَلْفِهِ أربعَ أصابعَ أو نحوًا من ذلك. ثم قال: هكذا يا بنَ عَوْفٍ فاعْتَمَّ، فإنَّه أحسنُ وأعرفُ، ثم أمر بلالًا أن يَدْفعَ إليه اللواءَ فَدَفَعَهُ إليه، فحمد اللَّه وصلَّى على نفسه، ثم قال: خُذْه يا بنَ عْوفٍ، اغْزُوا جميعًا في سَبيل اللَّهِ، فقاتِلوا من كفر باللَّه لا تَغُلُّوا ولا تَغْدروا ولا تُمَثلُوا ولا تَقْتُلوا وليدًا. فهذا عَهْد اللَّهِ (٧)، وسيرةُ نبيِّه (٨) فيكم. فأخذ عبدُ الرحمن بن عوف اللواءَ. قال ابن هشام: فخرج إلى دُومة الجَنْدَل.

بَعْثُ أبي عُبَيْدَةَ بن الجَرّاح (٩) وأصحابه (١٠) وكانوا قريبًا من ثلاثمئة راكبٍ إلى سيفِ البَحْرِ، وتزويده (١١) إيَّاهم جرابًا من تمر، و (فيها) قصةُ العَنْبَر، وهي الحوتُ العظيمُ الذي دَسَرَهُ البَحْرُ وأكلُهم كلُّهم منه قريبًا من شهر حتى سَمِنوا، وتَزَوَّدوا منه وشَائق -أي شَرائِحَ- حتى رجَعوا إلى رسول اللَّه فأطْعَموه منه، فأكلَ منه، كما تقدّم بذلك الحديث.


(١) رواه ابن ماجه رقم (٤٢٥٩) من حديث ابن عمر ، وإسناده ضعيف لطوله ولكن لفقراته الأخيرة "أحسنهم خلقًا" إلى آخره، شواهد يقوى بها.
(٢) ط: (يغلبوا عليها).
(٣) ط: (الذي).
(٤) رواه ابن ماجه رقم (٤٠١٩) من حديث ابن عمر ، ورواه الحاكم (٤/ ٥٤٠) من حديث ابن عمر، وصححه، ووافقه الذهبي ولكن إسناده حسن فقط، ولبعضه شاهد من حديث بريدة بن الحصيب، فهو حديث صحيح بطرقه وشواهده.
(٥) ليس اللفظ في ط.
(٦) كرابيس هي جمع كِرْباس، وهو القطن (النهاية: كربس).
(٧) أ: (فهذا عهد رسول اللَّه ).
(٨) ط: (نبيّكم).
(٩) سيرة ابن هشام (٢/ ٦٣٢ - ٦٣٣).
(١٠) ليس اللفظ في ط.
(١١) ط: (وزودوه).