للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لما أُنزلَ على رسول الله : ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ﴾ [لقمان: ١٨] اشتدَّتْ على ثابتٍ وغلقَ عليه بابَه، وطفِقَ يبكي، فأُخبر رسول الله، فسأله فأخبره بما كَبُرَ عليه منها، وقال: أنا رجلٌ أحبُّ الجَمال، وأن أَسُودَ قومي، فقال: "إنّك لست منهم، بل تعيش بخير وتموت بخير، ويُدْخلكَ اللهُ الجنةَ". فلما أنزل على رسول الله: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ﴾ [الحجرات: ٢] فعلَ مثلَ ذلك، فأخبر النبيُّ فأرسلَ إليه فأخبره بما كَبُر عليه منها، وأنه جَهيرُ الضَوت، وأنه يتخوَّفُ أن يكونَ ممَّنْ حَبِطَ عملُه، فقال: "إنك لستَ منهم، بل تعيشُ حميدًا وتُقْتلُ شهيدًا ويُدخلكَ اللهُ الجنة" فلما استنفر أبو بكر المسلمين إلى أهل الردَّةِ واليمامةِ ومُسَيْلمة الكذاب، سار ثابت فيمنْ سارَ، فلما لَقُوا مسيلمة وبني حنيفة هزموا المسلمين ثلاث مرات، فقال ثابتٌ وسالمٌ مولى أبي حذيفة: ما هكذا كنَّا نقاتلُ مع رسول الله ، فجعلا لأنفسهما حفرة فدخلا فيها فقاتلا حتى قُتلا.

قالت: وأُرِيَ رجلٌ من المسلمين ثابتَ بن قيس في منامه فقال: إني لما قُتلت بالأمس مرَّ بي رجلٌ من المسلمين فانتزعَ منّي درعًا نفيسة ومنزلُه في أقصى العسكر وعند منزله فرسٌ يَسْتن (١) في طوله، وقد أكفأ على الدرع بُرْمةً، وجعل فوق البُرْمة رَحْلا، وائت خالد بن الوليد فليبعث إلى درعي فليأخذها، فإذا قدمتَ على خليفة رسول الله فأعلمه أنَّ عليَّ من الدَّين كذا، ولي من المال كذا، وفلان من رقيقي عتيق، وإيّاك أن تقول: هذا حلم فَتُضيِّعه، قال: فاأتى خالدًا فوجَّه إلى الدرع فوجدها كما ذكر، وقدم على أبي بكر فأخْبَرهُ، فأنفذَ أبو بكر وصيَّتهُ بعد موته، فلا نعلم أحدًا جازَتْ وصيَّتهُ بعد موته إلَّا ثابت بن قيس بن شمّاس (٢).

ولهذا الحديث وهذه القصة شواهد أخر. والحديث المتعلق بقوله: ﴿يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ﴾ في صحيح مسلم (٣) عن أنس.

وقال حماد بن سلمة: عن ثابت عن أنس: أن ثابت بن قيس بن شمَّاس، جاء يوم اليمامة وقد تحنّط ونشر أكفانه وقال: اللهم إنّي أبرأ إليك مما جاء به هؤلاء، وأعتذرُ إليك مما صنعَ هؤلاء، فقُتل وكانت له درعٌ فسُرقت فرآه رجل فيما يرى النائم فقال: إن درعي في قدر تحتَ الكانون في مكان كذا وكذا، وأوصاه بوصايا، فطلبوا الدرع فوجدوها، وأنفذوا الوصايا. رواه الطبراني (٤) أيضًا.


(١) في ط: تبن، وهو تحريف. وما هنا عن مصادره، واستنّ الفرسُ يَسْتنُّ استنانًا أي: عَدا لمرحه ونشاطه لطول حبله. النهاية (٣/ ٤١٠) واللسان (سنن).
(٢) في إسناد هذا الحديث بنت ثابت بن قيس بن شماس مجهولة، ولكن القصة كما قال المصنف لها شواهد.
(٣) صحيح مسلم (١١٩) (١٨٨) في الإيمان.
(٤) المعجم الكبير رقم (١٣٠٧).