للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقال لمُتَمِّم بن نويرة حين جعلَ يرثي أخاه مالكًا بتلك الأبيات المتقدم ذكرها: لو كنتُ أحسنُ الشعرَ لقلتُ كما قلت، فقال له متمِّم: لو أن أخي ذهب على ما ذهبَ عليه أخوك ما حزنتُ عليه، فقال له عمر: ما عزّاني أحد بمثل ما عزَّيْتني به، ومع هذا كان عمرُ يقول: ما هبتِ الصَّبا إلا ذَكَّرَتْني زيدَ بن الخطاب، .

ومنهم:

سالم (١) بن عبيد ويقال: ابن مَعْقل (٢) مولى أبي حذيفة بن عُتْبة بن رَبيعة، وإنما كان مُعْتقًا لزوجته ثُبَيْتة بنت يَعَار (٣) وقد تَبنّاهُ أبو حُذَيْفة (٤) وزوَّجَهُ بابنةِ أخيه فاطمة بنت الوليد بن عُتْبة، فلما أنزل الله ﴿ادْعُوهُمْ لِآبَائِهِمْ﴾ [الأحزاب: ٥] جاءت امرأة أبي حُذَيْفة سَهْلة بنت سَهْل بن عمرو فقالت: يا رسولَ الله إن سالمًا يدخل عليَّ وأنا غفلٌ، فأمرها أن تُرْضِعهُ فأرْضَعَتْهُ فكانَ يدخلُ عليها بتلك الرضاعة، وكان من سادات المسلمين، أسلمَ قديمًا وهاجرَ إلى المدينة قبل رسول الله فكان يُصلي بمن بها من المُهاجرين، وفيهم عمر بن الخطاب لكثرةِ حفظِهِ القرآن، وشهد بدرًا وما بعدها، وهو أحد الأربعة الذين قال فيهم رسول الله : "استقرئوا القرآنَ من أربعةٍ" (٥) فذكر منهم سالمًا مولى أبي حذيفة.

وروي عن عمر أنه قال لما احتُضِر: لو كانَ سالمٌ حيًّا لما جعلتها شُورى، قال أبو عمر بن عبد البر (٦). معناه أنّه كان يصدرُ عن رأيه فيمن يُولّيه الخلافةَ. ولما أخذ الرايةَ يومَ اليمامةِ بعد مَقْتل زيدٍ بن الخطاب قال له المهاجرون: أتَخْشَى أنْ نُؤْتى من قبلك؟ فقال: بئسَ حاملُ القرآن أنا إذًا. انقطعت يدُه اليمنى فأخذها بيساره، فقُطعت فاحتضنها وهو يقول: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ﴾ [آل عمران: ١٤٤] ﴿وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ﴾ [آل عمران: ١٤٦] فلما صرع قال لأصحابه: ما فعل أبو حُذَيْفة؟ قالوا: قُتل، قال: فما فعلَ فلان؟ قالوا: قُتل، قال: فأضجعوني بينهما. وقد بعثَ عمرُ بميراثه إلى مولاته التي أعْتَقَتْه "بثينة" (٧) فردَّتْه وقالتْ: إنّما أعْتَقَتْهُ سائبةٌ، فجعله عمر في بيت المال.


(١) ترجمة - سالم مولى أبي حذيفة - في حلية الأولياء (١/ ١٧٦ - ١٧٧) والاستيعاب (٢/ ٥٦٧) وجامع الأصول (١٤/ ١٥٤ - ١٥٧) وأسد الغابة (٢/ ٣٠٧ - ٣٠٩) وتهذيب الأسماء واللغات (١/ ٢٠٦ - ٢٠٧) وسير أعلام النبلاء (١/ ١٦٧ - ١٧٠) والإصابة (٢/ ٦ - ٨).
(٢) في ط؛ ابن يعمل؛ تحريف، والتصحيح من مصادره.
(٣) في ط: يعاد؛ تحريف؛ والتصحيح من مصادر الترجمة.
(٤) في ط: حنيفة؛ تحريف.
(٥) تمام الحديث: "استقرؤوا القرآن من أربعة: من ابن مسعود، وسالم مولى أبي حذيفة، وأبيّ بن كعب، ومعاذ بن جبل" أخرجه مسلم في صحيحه (٢٤٦٤) (١١٧) في فضائل الصحابة.
(٦) الاستيعاب (٢/ ٥٦٨).
(٧) تقدم قبل أسطر اسمها: ثُبَيْتة؛ وفي اسمها خلاف بين هذين الاسمين وثالث هو عمرة. الاستيعاب (٢/ ٥٦٨).