للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم لا أبرحُ له جارًا، حتَّى يُفرِّقَ بيننا الموتُ. قال: ذلك العبدُ أنتَ. قال: أنا؟ قال: نعم. قال: فبم اتَّخذني ربِّي خليلًا؟ قال: بأنَّك تُعطي النَّاسَ ولا تسألُهم. رواه ابن أبي حاتم (١).

وقد ذكره اللّه تعالى في القرآن كثيرًا في غير ما موضع بالثناء عليه. والمدح له. فقيل (٢): إنه مذكور في خمسة وثلاثين موضعًا، منها خمسة عشر في البقرة وحدها.

وهو أحدُ أولي العزم الخمسة، المنصوص على أسمائهم تخصيصًا من بين سائر الأنبياء في آيتي الأحزاب والشورى، وهما قوله تعالى: ﴿وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا﴾ [الأحزاب: ٧] وقوله: ﴿شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾ [الشورى: ١٣] الآية.

ثم هو أشرفُ أُولي العزم بعد محمَّدٍ ، وهو الذي وجده في السماء السابعة، مسندًا ظهره بالبيت المعمور، الذي يدخلُه كلَّ يوم سبعون ألفًا من الملائكة، ثم لا يعودون إليه آخر ما عليهم.

وما وقع في حديث شريك بن أبي نَمِر، عن أنس، في حديث الإسراء (٣): من أنّ إبراهيمَ في السادسة، وموسى في السابعة، فممَّا انتُقد على شريكٍ في هذا الحديث، والصحيح الأول.

وقال أحمد (٤): حدثنا محمد بن بشر، حَدَّثَنَا محمد بن عمرو، حَدَّثَنَا أبو سلمة، عن أبي هريرة، قال: قال رسول اللّه : "إنَّ الكريمَ ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم خليل الرحمن". تفرَّد به أحمد (٥).

ثم مما يدلُّ على أنَّ إبراهيمَ أفضلُ من موسى على الصحيح الحديث الذي قال فيه: "وأخَّرتُ الثالثة ليوم يرغبُ إليّ الخلقُ كلُّهم حتى إبراهيم" رواه مسلم من حديث أبي بن كعب (٦).

وهذا هو المقامُ المحمودُ الذي أخبرَ عنه صلواتُ اللّه وسلامه عليه بقوله: "أنا سيِّدُ ولدِ آدمَ يوم القيامة ولا فخر". ثم ذكرَ استشفاع الناس بآدمَ ثم بنوح، ثم إبراهيم، ثم موسى، ثم عيسى، فكلُّهم يحيدُ عنها، حتى يأتوا محمد : "فيقول: أنا لها، أنا لها" … الحديث (٧).


(١) المصدر السابق.
(٢) في ب: يُقال.
(٣) أخرجه البخاري (٧٥١٧) في التوحيد، ومسلم (١٦٢) (٢٦٢) في الإيمان.
(٤) في المسند (٢/ ٣٣٢) وهو حديث صحيح.
(٥) بل رواه الترمذي رقم (٣١٦٦) وهو حديث حسن.
(٦) أخرجه مسلم (٨٢٠) (٢٧٣) في صلاة المسافرين، وتقدَّم.
(٧) أخرجه البخاري (٣٣٤٠) في الأنبياء و (٤٧١٢) في التفسير.