للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

" ثم قرأ: ﴿كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ﴾ [الأنبياء: ١٠٤] " فأخرجَاه في الصحيحين (١): من حديث سفيان الثوري، وشعبة بن الحجَّاج (٢)، كلاهما عن مغيرة بن النعمان النخعي الكوفي، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبَّاس به.

وهذه الفضيلة المعيَّنة لا تقتضي الأفضليةَ بالنسبة إلى ما قابلَها مما ثبتَ لصاحب المقام المحمود، الذي يغبطُه به الأوَّلون والآخرون.

وأما الحديث الآخر الذي قال الإمام أحمد: حَدَّثَنَا وكيع وأبو نعيم، حَدَّثَنَا سفيان هو الثوري، عن مختار بن فُلْفلٍ، عن أنس بن مالك، قال: قال رجل للنبي : يا خيرَ البريَّة! فقال: "ذاكَ إبراهيم" (٣)، فقد رواه مسلم (٤) من حديث الثوري وعبد اللّه بن إدريس وعلي بن مسهر ومحمد بن فضيل أربعتُهم، عن المختار بن فلفل. وقال الترمذي (٥): حسن صحيح.

وهذا من باب الهَضْم والتواضح مع والده الخليل ، كما قال: "لا تُفضِّلوني على الأنبياء، وقال: لا تُفضِّلوني على موسى فإن الناس يُصعقونَ يومَ القيامة، فأكونُ أوَّلَ من يفيقُ، فأجدُ موسى باطشًا بقائمةِ العَرْشِ، فلا أدري أفاقَ قبلي أم جُوزي بصَعْقةِ الطُّور" (٦).

وهذا كله لا ينافي ما ثبت بالتواتر عنه صَلواتُ اللّه وسلامُه عليه، من أنه سيد ولد آدم يومَ القيامة (٧). وكذلك حديث أُبيِّ بن كعب في صحيح مسلم: "وأخرْتُ الثالثةَ ليوم يرغبُ إليَّ الخلقُ كلُّهم حتى إبراهيم" (٨).

ولما كان إبراهيمُ أفضلَ الرسل وأولي العزم بعد محمَّد صلواتُ اللّه وسلامه عليهم أجمعين، أُمر المُصلِّي أن يقولَ في تشهده ما ثبتَ في الصحيحين: من حديث كعب بن عُجْرة وغيره، قال: قلنا: يا رسولَ اللّه! السلام عليك قد عرفناه، فكيفَ الصَّلاةُ عليك؛ قال: "قولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ على محمّد وعلى آل محمد، كما صَلَّيتَ على إبراهيمَ وآل إبراهيم، وباركْ على محمَّد وعلى آل


(١) تفرد البخاري بإخراج حديث سفيان في صحيحه (٣٣٤٩) و (٣٤٤٧) و (٤٦٢٦).
(٢) حديث شعبة أخرجه البخاري (٤٦٢٥) و (٤٧٤٠) و (٦٥٢٦)، ومسلم (٢٨٦٠) (٥٨).
(٣) في المسند (٣/ ١٧٨).
(٤) مسلم (٢٣٦٩) في الفضائل.
(٥) الترمذي (٣٣٥٢) في التفسير.
(٦) أخرجه البخاري (٣٤١٤) في الأنبياء، ولفظه: "لا تفضلوا بين أولياء اللّه … " ومسلم (٢٣٧٣) في الفضائل، بلفظ: "لا تفضلوا بين أنبياء اللّه … ".
(٧) أخرجه البخاري (٣٣٤٠) في الأنبياء، ومسلم (٣٢٧) (١٩٤) في الإيمان، وهو من الأحاديث المتواترة انظر "نظم المتناثر من الحديث المتواتر" للسيوطي (ص ١٤٩) مصورة دار المعارف بحلب - سورية.
(٨) أخرجه مسلم (٨٢٠) في صلاة المسافرين، وقد تقدم.