للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وعشرون تيسًا ومئتا نعجةٍ، وعشرون كبشًا، وثلاثون لَقْحَه (١)، وأربعون بقرة، وعشرة من الثيران، وعشرون أتانًا، وعشرة من الحُمُر، وأمرَ عبيدَه أن يسوقوا كلًّا من هذه الأصناف وحدَه، وليكنْ بين كلِّ قطيعٍ وقطيع مسافةٌ، فإذا لقيهم العيصُ، فقال: للأَوَّل لمن أنت؟ ولمن هذه معكَ؟ فليقل: لعبدك يعقوب أهداها لسيِّدي العيصُ. وليقل الذي بعدَه كذلك، وكذا الذي بعدَه، ويقولُ كلٌّ منهم وهو جاءٍ بعدنا.

وتأخَّر يعقوبُ بزوجتيْه وأمتيْه وبنيه الأحد عشرَ بعد الكل بليلتين، وجعل يسيرُ فيهما ليلًا، ويكمنُ نهارًا، فلما كان وقتُ الفجر من الليلة الثانية تبدَّى له ملَكٌ من الملائكة في صُورة رجل، فظنَه يعقوبُ رجلًا من النَّاس، فأتاه يعقوبُ ليُصارعه ويُغالبه، فظهرَ عليه يعقوبُ فيما يرى، إلا أنَّ المَلَك أصابَ وِرْكَه، فعرجَ يعقوبُ، فلما أضاءَ الفجر قال له الملك ما اسمكَ؟ قال: يعقوب. قال: لا ينبغي أن تُدعى به اليوم إلا إسرائيل. فقال له يعقوب: ومنْ أنتَ وما اسمكَ؟ فذهبَ عنه، فعلمَ أنَّه مَلَكٌ من الملائكة، وأصبحَ يعقوبُ وهو يعرجُ من رِجْلِه، فلذلك لا يأكلُ بنو إسرائيل عِرْقَ النَسَا، ورفعَ يعقوبُ عينيْه فإذا أخوه "عيصو" قد أقبلَ في أربعمئة راجل، فتقدَّم أمام أهله، فلما رأى أخاه العيص سجدَ له سبع مرَّاتٍ، وكانت هذه تحيَّتُهم في ذلك الزمان، وكان مشروعًا لهم؛ كما سجدتِ الملائكةُ لآدمَ تحيَّة له، وكما سجدَ إخوةُ يوسفَ وأبواه له كما سيأتي، فلما رآه العيص تقدَّم إليه واحتضنَه وقبَّله وبكى، ورفعَ العيصُ عينيْه ونظرَ إلى النساء والصِّبيان، فقال: من أين لك هؤلاء؟ فقال: هؤلاء الذين وهبَ الله لعبدكَ، فدنتِ الأمتان وبنوهما فسجدوا له ودنت "ليا" وبنوها فسجدوا له، ودنت "راحيل" وابنها يوسف فخرَّا سُجَّدًا له، وعرضَ عليه أن يقبلَ هديَّته وألحَّ عليه، فقبلَها ورجعَ العيصُ، فتقدَّم أمامَه ولحقَه يعقوبُ وما معه من الأنعام والمواشي والعبيد قاصدينَ جبالَ ساعير.

فلما مرَّ بساحور ابتنى له بيتًا ولدوابّه ظلالًا، ثم مرَّ على أورشليم قرية شخيم، فنزل قبل القرية، واشترى مزرعةَ شخيم بن جمور بمئة نعجة، فضربَ هنالك فسطاطَه، وابتنى ثَم مذبحًا، فسمَّاه "إيل" إله إسرائيل، وأمر اللّه ببنائه ليُستعلنَ له فيه. وهو بيتُ المقدس اليوم، الذي جدَّده بعد ذلك سليمان بن داود ، وهو مكان الصخرة التي أعلمَها بوضع الدُّهن عليها قبل ذلك، كما ذكرنا أولًا.

[وذكر أهلُ الكتاب هنا قصة "دينا" بنت يعقوب بنت "ليا" وما كان من أمرها مع "شخيم" بن جمور الذي قهرَها على نفسها، وأدخلَها منزلَه ثم خطبها من أبيها وإخوتها، فقال إخوتها: إلا أن تختتنوا كلكم فنصاهركم وتصاهرونا، فإنا لا نُصاهر قومًا غلفًا، فأجابوهم إلى ذلك واختتنوا كلُّهم، فلما كان اليوم الثالث واشتدَّ وجعُهم من ألم الخِتان، مالَ عليهم بنو يعقوب فقتلوهم عن آخرهم، وقتلوا


(١) لَقْحة: ناقة حلوب غزيرة اللبن.