للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عند جمهور العلماء سلَفًا وخلَفًا، وقد شهدتِ الأحاديثُ الصحيحة بالإسلام للفريقين من الطرفين -أهل العراق وأهل الشام- كما ثبت في الحديث الصحيح "تمرُقُ مارقَةٌ على خير فُرْقةٍ من المسلمين، فيقتلُها أَدنى الطائفتينِ إلى الحقّ" (١) فكانت المارقة الخوارج، وقتلَهم عليٌّ وأصحابه.

ثم قُتل علي، فاستقلَّ معاوية بالأمر سنة إحدى وأربعين، وكان يغزو الروم في كل سنة مرتين مرة في الصيف ومرة في الشتاء، ويأمر رجلًا من قومه فيحج بالناس، وحج هو سنة خمسين، وحج ابنه يزيد سنة إحدى وخمسين، وفيها -أو في التي بعدها- أغزاه بلاد الروم [فسار معه خلقٌ كثير من كبراء الصحابة حتى حاصر القُسْطنطينية. وقد ثبت في الصحيح: "أوَّلُ جيشٍ يغزو القُسْطنطينيةَ مغمْورٌ لهُم"] (٢).

وقال وكيع: عن الأعمش، عن أبي صالح قال: كان الحادي يحدو بعثمان فيقول:

إنَّ الأميرَ بعدَهُ عليُّ … وفي الزُّبير خلفٌ مَرْضيُّ

فقال كعب: بل هو صاحب البغلة الشَّهباء - يعني معاوية [فأتاه معاوية] (٣) فقال: يا أبا إسحاق! تقول هذا وهاهُنا عليٌّ والزبيرُ وأصحاب محمد ؟ فقال: أنت صاحبُها.

ورواه سيف، عن بدر بن الخليل، عن عثمان بن عطيَّة (٤) الأسدي، عن رجل من بني أسد قال: ما زال معاوية يطمع فيها منذ سمع الحادي في أيام عثمان يقول:

إنَّ الأميرَ بعدَهُ عليُّ … وفي الزبير خلفٌ مَرْضيُّ

فقال كعب: كذبتَ، بل صاحب البغلة الشَّهباء بعده -يعني معاوية- فقال له معاوية في ذلك، فقال: نعم، أنت الأمير بعده، ولكنها واللَّه لا تصل إليك حتى تكذِّب بحديثي هذا. فوقعت في نفس معاوية (٥).

وقال ابن أبي الدنيا: حدَّثنا محمد بن عبّاد المكي، حدَّثنا سفيان بن عُيينة، عن أبي هارون قال: قال عمر: إياكم والفُرقة بعدي، فإن فعلتم فإنَّ معاوية بالشام، وستعلمون إذا وُكلتم إلى رأيكم كيف يستبزها دونكم (٦).


(١) أخرجه أحمد في مسنده (٣/ ٣٢ و ٤٨) ومسلم (١٠٦٥) (١٥٠) في الزكاة: باب ذكر الخوارج وصفاتهم، وأبو داود (٤٦٦٧) في السنة: باب ما يدل على ترك الكلام في الفتنة. كلهم من حديث أبي سعيد الخدري.
(٢) ما بين حاصرتين من ط، ب، ومكانه في أ: وقد تقدم هذا كله. وخرجنا الحديث في أحداث سنة تسع وأربعين من هذا الجزء.
(٣) سقط من المطبوع.
(٤) في تاريخ الطبري: قطبة.
(٥) الخبر والشعر في تاريخ الطبري (٤/ ٣٤٣) وتاريخ ابن عساكر، مختصره (٢٥/ ٢٥).
(٦) تاريخ ابن عساكر، مختصره (٢٥/ ٢٥).