وثمانون سنة، وهما روايتان عن الحسن. وقيل: خمس وثلاثون سنة، قاله قتادة. وقال محمد بن إسحاق: ذكروا أنه غابَ عنه ثماني عشرة سنة. قال: وأهلُ الكتاب يزعمون أنه غاب عنه أربعين سنة.
وظاهر سياق القصة يُرشد إلى تحديد المدة تقريبًا، فإن المرأة راودتْه وهو شابٌّ ابن سبع عشرة فيما قاله غير واحد، فامتنع فكان في السجن بضع سنين، وهي سبع عند عكرمة وغيره. ثم أُخرج فكانت سنواتُ الخِصْب السبع، ثم لما أمحل النَاسُ في السبع البواقي، جاء إخوتُه يمتارون في السنة الأولى وحدَهم، وفي الثانية ومعهم أخوه بنيامين، وفي الثالثة تعرَّف إليهم وأمرَهم بإحضار أهلهم أجمعين، فجاؤوا كلُّهم ﴿فَلَمَّا دَخَلُوا عَلَى يُوسُفَ آوَى إِلَيْهِ أَبَوَيْهِ﴾ اجتمع بهما خصوصًا وحدَهما دون إخوته ﴿وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ﴾ قيل هذا من المقدَّم والمؤخَّر، تقديرُه: ادخلوا مصرَ وآوى إليه أبويه. وضعفه ابن جرير، وهو معذور.
قيل: تلقَّاهما وآواهما في منزل الخيام، ثم لما اقتربوا من باب مصر ﴿وَقَالَ ادْخُلُوا مِصْرَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ﴾ قاله السُّدِّي. ولو قيل: إن الأمرَ لا يحتاجُ إلى هذا أيضًا، وإنه ضمَّن قوله ادخلوا معنى اسكنوا وأقيموا بها ﴿إِنْ شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ﴾ لكان صحيحًا مليحًا أيضًا.
وعند أهل الكتاب: أن يعقوبَ لما وصلَ إلى أرض "جاشر" وهي أرض "بلبيس" خرج يوسف لتلقِّيه، وكان يعقوبُ قد بعثَ ابنه يهوذا بين يديه مُبشِّرًا بقدومه. وعندهم: أنَّ الملك أطلقَ لهم أرضَ "جاشر" يكونون فيها، ويقيمون بها بنعَمهم ومواشيهم.
وقد ذكرَ جماعةٌ من المفسِّرين أنه لما أزفَ قدومُ نبيِّ الله يعقوب وهو إسرائيل، أرادَ يوسفُ أن يخرجَ لتلقِّيه، فركبَ معه الملكُ وجنودُه خدمةً ليوسف، وتعظيمًا لنبيِّ الله إسرائيل، وأنه دعا للملك، وأنَّ الله رفعَ عن أهل مصرَ بقيَّة سنيّ الجَدْب ببركة قدومه إليهم، فالله أعلم.
وكان جملة منْ قدم مع يعقوب من بنيه وأولادهم، فيما قاله أبو إسحاق السبيعي عن أبي عبيدة عن ابن مسعود: ثلاثة وستين إنسانًا. وقال موسى بن عبيدة: عن محمد بن كعب، عن عبد الله بن شدَّاد، كانوا ثلاثة وثمانين إنسانًا. وقال أبو إسحاق، عن مسروق: دخلوا وهم ثلثمائة وتسعون إنسانًا. قالوا: وخرجوا مع موسى وهم أزيد من ستمئة ألف مقاتل. وفي نص أهل الكتاب: أنَّهم كانوا سبعين نفسًا، وسمَّوهم.
قال الله تعالى: ﴿وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى الْعَرْشِ﴾ قيل: كانت أُمه قد ماتت، كما هو عند علماء التوراة. وقال بعض المفسرين: فأحياها الله تعالى. وقال آخرون: بل كانت خالتُه ليلى، والخالةُ بمنزل الأم.
وقال ابن جرير (١) وآخرون: بل ظاهر القرآن يقتضي بقاء حياة أمِّه إلى يومئذ، فلا يُعوَّل على نقل أهل الكتاب فيما خالفَه، وهذا قوي، والله أعلم.