للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فولَّوا عليه معولينَ وكلهمْ … لمثلِ الذي لاقى أخوهُ محاذرُ

كشاءٍ رتاعٍ آمنين بدا لهم … بمديته بادي الذراعينِ حاسرُ

فريعتْ ولم ترتع قليلًا وأجفلتْ … فلما نأى عنها الذي هو وجازرُ

عادت إلى مرعاها، ونسيت ما في أختها دهاها، أفبأفعال الأنعام اقتدينا؟ أم على عادتها جرينا؟ عد إلى ذكر المنقول إلى دار البلى، واعتبر بموضعه تحت الثرى، المدفوع إلى هول ما ترى.

ثوى مفردًا في لحده وتوزَّعت … مواريثه أولادهُ والأواصرُ (١)

وأحنوا على أموالهِ يقسِمونها … فلا حامدٌ منهمْ عليها وشاكرُ

فيا عامرَ الدنيا ويا ساعيًا لها … ويا آمنًا منْ أن تدورَ الدوائرُ

كيف أمنت هذه الحالة وأنت صائر إليها لا محالة؟ كيف تتهنا بحياتك وهي مطيتك إلى مماتك؟ أم كيف تشبع من طعامك وأنت منتظر حمامك؟ [أم كيف تهنأ بالشهوات، وهي مطية الآفات].

ولم تتزودْ للرحيلِ وقد دنا … وأنتَ على حالٍ وشيك مسافرُ

فيا لهفَ نفسي كم أسوِّفُ توبتي … وعمريَ فانٍ والرَّدى ليَ ناظرُ

وكلّ الذي أسلفتُ في الصحف مثبتٌ … يجازي عليهِ عادلُ الحكم قادرُ

فكم ترقع بآخرتك دنياك، وتركب غيك وهواك، أراك ضعيف اليقين، يا مؤثر الدنيا على الدين أبهذا أمرك الرحمن؟ أم على هذا نزل القرآن؟ [أما تذكر ما أمامك من شدة الحساب، وشر المآب، أما تذكر حال من جمع وثمر، ورفع البناء وزخرف وعمر، أما صار جمعهم بورًا، ومساكنهم قبورًا] (٢):

تخرِّبُ ما يبقى وتعمرُ فانيًا … فلا ذاكَ موفورٌ ولا ذاكَ عامرُ

وهلْ لكَ إن وافاكَ حتفكَ بغتةً … ولم تكتسبْ خيرًا لدى الله عاذرُ

أترضى بأن تفنى الحياةُ وتنقضي … ودينكَ منقوص ومالكَ وافرُ (٣)

وقد اختلف أهل التاريخ في السنة التي توفي فيها علي بن الحسين، زين العابدين، فالمشهور عن الجمهور أنه توفي في هذه السنة - أعني سنة أربع وتسعين - في أولها عن ثمان وخمسين سنة، وصلي عليه بالبقيع، ودفن به.

قال الفلاس: مات علي بن الحسين وسعيد بن المسيب وعروة وأبو بكر بن عبد الرحمن سنة أربع وتسعين.


(١) في ط: والأصاهر.
(٢) ما بينهما زيادة من ط.
(٣) الأبيات والتي قبلها في تاريخ دمشق (٤١/ ٤٠٤ - ٤٠٨).