للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مدتهم تكون أقصر من هذا، فلما بلغ ذلك عمر بن عبد العزيز قال: أو إن هذا ليغيظ الكفار، دعوه.

وسألت النصارى في أيام عمر بن عبد العزيز أن يعقد لهم مجلسًا في شأن ما كان أخذه الوليد منهم فأدخله في الجامع، فحقق عمر القضية، ثم نظر فإذا الكنائس التي هي خارج البلد لم تدخل في الصلح الذي كتبه لهم الصحابة وكان عمر عادلًا، فرأى أن يرد عليهم ما أُخذ منهم، مثل كنيسة دير مران [بسفح قاسيون، وهي بقرية المعظمية] وكنيسة الراهب، وكنيسة توما خارج الباب، وسائر الكنائس التي بقرى الحواجز، فخيرهم بين رد ما سألوه وتخريب هذه الكنائس كلها، أو تبقى تلك الكنائس ويطيبوا نفسًا للمسلمين بهذه البقعة، فاتفقت آراؤهم بعد ثلاثة أيام على إبقاء تلك الكنائس، ويكتب لهم كتاب أمان بها، ويطيبوا نفسًا بهذه البقعة، فكتب لهم كتاب أمان من عمر بن عبد العزيز (١).

والمقصود أن الجامع الأموي كان حين تكامل بناؤه ليس له في الدنيا مثيل في حسنه وبهجته.

قال الفرزدق: أهل دمشق في بلادهم قصر من قصور الجنة - يعني الجامع -.

وقال أحمد بن أبي الحواري: عن الوليد بن مسلم، عن ابن ثوبان: ما ينبغي لأحد من أهل الأرض أن يكون أشد تشوقًا إلى الجنة من أهل دمشق، لما يرون من حسن مسجدها (٢).

قالوا: ولما دخل أمير المؤمنين المهدي دمشق يريد زيارة القدس نظر إلى جامع دمشق فقال لكاتبه أبي عبيد الله الأشعري: سبقنا بنو أمية بثلاث، بهذا المسجد الذي لا أعلم على وجه الأرض مثله، وبنبل الموالي، وبعمر بن عبد العزيز، لا يكون واللّه فينا مثله أبدًا. ثم لما أتى بيت المقدس فنظر إلى الصخرة - وكان عبد الملك بن مروان هو الذي بناها - قال لكاتبه: وهذه رابعة (٣).

ولما دخل المأمون دمشق فنظر إلى جامعها وكان معه أخوه المعتصم، وقاضيه يحيى بن أكثم، قال: ما أعجب ما فيه؟ فقال أخوه: هذه الأذهاب التي فيه، وقال يحيى بن أكثم: الرخام وهذه العقد، فقال المأمون: إني إنما أعجب من حسن بنيانه على غير مثال متقدم، ثم قال المأمون لقاسم التمار: أخبرني باسمٍ حسن أسمي به جاريتي هذه، فقال: سمها مسجد دمشق، فإنه أحسن شيء (٤).

وقال عبد الرحمن: عن ابن عبد الحكم، عن الشافعي قال: عجائب الدنيا خمسة: أحدها منارتكم هذه - يعني منارة ذي القرنين بإسكندرية - والثانية أصحاب الرقيم وهم بالروم اثنا عشر رجلًا، والثالثة مرآة ببلاد الأندلس على باب مدينتها، يجلس الرجل تحتها فينظر فيها صاحبه من مسافة مئة فرسخ. وقيل ينظر مَن بالقسطنطينية، والرابع مسجد دمشق وما يوصف من الإنفاق عليه، والخامس الرخام


(١) تاريخ دمشق (٢٧٣ - ٢٧٤).
(٢) تاريخ دمشق (٢/ ٢٤٦).
(٣) المصدر نفسه (٢/ ٢٤٦ - ٢٤٧).
(٤) المصدر السابق (٢/ ٢٤٧).