للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فجوَّد رأيَه رجاء بن حيوة وصوَّبه، وكتب سليمان العهد من بعده لعمر بن عبد العزيز في صحيفة وختمها، ولم يشعر بذلك عمر ولا أحدٌ من بني مروان سوى الخليفة سليمان والوزير رجاء، ثم أمر صاحبَ الشرطة بإحضار الأمراء ورؤوس الناس من بني مروانَ وغيرهم، فبايعوا سليمان على ما في الصحيفة المختومة، ثم انصرفوا، ثم لما مات الخليفة استدعاهم رجاءُ بن حَيْوةَ فبايعوا ثانية لمن في الصحيفة ثم فتحَها فقرأها عليهم، فإذا فيها البيعة لعمر بن عبد العزيز، فأخذوهُ فأجلسوه على المِنْبر وبايعوه فانعقدت له البيعة.

وقد اختلف العلماءُ في مثل هذا الصنيع في الرجل يُوصي الوصيَّةَ في كتاب، ويُشهد على ما فيه، من غيرِ أن يُقرأ على الشهود. ثم يشهدون على ما فيه فيُنفَّذ، فسوَّغَ ذلك جماعاتٌ من أهل العلم، قال القاضي أبو الفرج المعافى بن زكريا الجَريري: أجاز ذلك وأمضاه، وأنفذ الحكم به جمهورُ أهلِ الحِجاز، ورُوي ذلك عن سالم بن عبد الله. وهو مذهب مالك ومحمد بن مسلمة المخزومي، ومكحول، ونمير بن أوس، وزُرعة بن إبراهيم، والأوزاعي، وسعيد بن عبد العزيز، ومن وافقهم من فقهاء الشام. وحكى نحو ذلك خالدُ بن يزيد بن أبي مالك عن أبيه وقضاة جُندِه؛ وهو قول الليثِ بن سعد فيمن وافقه من فقهاء أهل مصر والمغرب، وهو قول فقهاءِ أهل البصرة وقضاتهم. ورُوي عن قتادةَ، وعن سوَّار بن عبد الله، وعبيد اللّه بن الحسن، ومعاذ بن معاذ العَنْبريّ فيمن سلك سبيلهم؛ وأخذ بهذا عددٌ كثيرٌ من أصحابِ الحديث، منهم أبو عبيد وإسحاق بن راهويه. قلت: وقد اعتنى به البخاري في صحيحه.

قال المعافى الجَرِيري: وأبَى ذلك جماعةٌ من فقهاءِ العراق، منهم إبراهيم وحماد والحسن، وهو مذهب الشافعي وأبي ثَوْر قال: وهو قول شيخِنا أبي جعفر، وكان بعضُ أصحابِ الشافعي بالعراق يذهب إلى القول الأول. قال الجَريري: وإلى القول الأول نذهب (١).

وتقدَّم (٢) أن عمر بن عبد العزيز لما رجع من جنازة سليمان أُتي بمراكب الخلافة ليركبها فامتنع من ذلك وأنشأ يقول:

فلولا التُّقى ثم النُّهى خشيةَ الرَّدَى … لعاصَيْتُ في حُبّ الصِّبَا كلَّ زاجِر

قَضَى ما قَضى فيما مَضَى ثم لا تُرَى … له صبوة أخرى الليالي الغوابر

ثم قال: ما شاءَ الله لا قوة إلا بالله. قدِّموا إليَّ بغلتي.


(١) ساق اختلاف العلماء في ذلك ابن عساكر في تاريخه (٥٤/ ١٣٢). نقلًا عن المعافى بن زكريا الجريري.
(٢) انظر ٩/ ١٨٣ (ق). وليس فيه ذكر البيتين، والخبر والبيتان في تاريخ ابن عساكر (٥٤/ ١٣٥، ١٣٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>