للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .


= مروان، فعمَّتْ أهلَ البلد، وقد خُيِّلَ إليَّ أنَّه قد أصابنا أهلَ البيتِ ما ذلك ما لم يصِبْ أحدًا من أهلِ البلد؛ وذلك لخبرتي بأهلي، فتذكَّرْتُ هل من أحدٍ أمُتُّ إليهِ برَحِمٍ أو موَدَّةٍ أرجو إنْ خرَجْتُ إليه أنْ أُصيبَ عندَهُ شيئًا؛ فما علمتُ من أحدٍ أخرُجُ إليه. ثم قلتُ إن الرزق بيدِ اللّه ﷿. ثم خرجتُ حتى قدمتُ دمشق، فوضعتُ رَحْلي، ثم أتيتُ المسجدَ، فنظرتُ إلى أعظمِ حَلْقةٍ رأيتُها وأكبرِها، فجلست فيها، فبينا نحنُ على ذلك إذْ خرجَ رجلٌ من عندِ أميرِ المؤمنين عبد الملك كأجسمِ الرجالِ وأجمَلِهم وأحسنِهم هيئةً! فجاء إلى المجلس الذي أنا فيه فَتحثحثوا له - أي أوسعوا - فجلس، فقال: لقد جاء أميرَ المؤمنين اليومَ كتابٌ ما جاءه مثله منذُ استَخلفَهُ الله. قالوا: ما هو؟ قال: كتب إليه عاملُهُ على المدينة هشام بن إسماعيل يذكر أنَّ ابنًا لمُصعب بنِ الزُّبير من أُمّ ولد مات، فأرادَتْ أُمُّه أنْ تأخذَ ميراثًا منه، فمنعَهُ عروةُ بن الزُّبَير، وزعم أنَّهُ لا ميراثَ لها. فتوهَّم أميرُ المؤمنين حديثًا في ذلك سمِعَهُ منِ سعيدِ بن المسيِّب يذكرُ عن أمير المؤمنين عمرَ بن الخطاب في أُمَّهات الأولاد، ولا يحفَظُهُ الآن، وقد شذَّ عنه ذلك الحديث. قال ابنُ شهاب: فقلتُ: أنا أحدِّثُه به. فقام إليَّ قَبيصةُ حتى أخذ بيدي، ثم خرج حتى دخل الدارَ على عبد الملك فقال: السلام عليك. فقال له عبد الملك مجيبًا: وعليك السلام. فقال قبيصة: أَنَدْخل؟ فقال عبدُ الملك: ادخل. فدخلَ قَبيصَةُ على عبدِ الملك وهو آخذٌ بيدي. وقال: هذا يا أميرَ المؤمنين يحدِّثُكَ بالحديث الذي سمعتَهُ من ابنِ المُسَيِّب في أُمَّهاتِ الأولاد. فقال عبدُ الملك: إيهِ. قال الزُّهري: فقلت: سمعتُ سعيد بن المسيِّب يذكر أنَّ عمر بن الخطاب أمر بأُمَّهات الأولاد أن يقوَّمْنَ في أموال أبنائهنَّ بقيمةِ عَدْلٍ ثم يُعتقن. فكتبَ عمرُ بذلك صدرًا من خلافتِهِ، ثم توفي رجل من قريشٍ كان لهُ ابن من أُمِّ ولَد، وقد كان عمر يعْجبُ بذلك الغُلام. فمرَّ ذلك الغلامُ على عمرَ في المسجد بعدَ وفاةِ أبيهِ بليالٍ، فقال له عمر: ما فعلتَ يا بنَ أخي في أُمِّك؟ قال: فعلتُ يا أميرَ المؤمنين خيرًا؛ خيَّروني بين أنْ يَسترقُّوا أُمِّي [أو يُخرِجوني من مِيراثي من أبي، فكان ميراثُ أبي أهونَ عليَّ من أنْ يسترقُّوا أمي] (ما بين معقوفين ناقص في (ق) واستدركتُهُ من حلية الأولياء (٣/ ٣٦٨).). فقال عمر: أو لستُ إنما أمرتُ في ذلك بقيمةِ عَدْل؟ ما أرى رأيًا وما أمرتُ بأمرٍ إلَّا قلتم فيه. ثم قام فجلَسَ على المِنْبَر، فاجتمعَ الناسُ إليه، حتى إذا رَضِيَ من جماعتِهم قال: أيُّها الناس، إنِّي قد كُنتُ أمَرْتُ في أُمَّهاتِ الأولاد بأمرٍ قد علمتموه، ثم حدَثَ رأيٌ مخيرُ ذلك، فأيُّما امرئٍ كان عندَهُ أُمُّ ولد، فمَلَكَها بيمينه ما عاش، فإذا ماتَ فهي حُرَّةٌ لا سبيلَ لهُ عليها. فقال لي عبدُ الملك: منْ أنت؟ قلتُ: أنا محمد بن مُسلم بن عُبيد الله بن شهاب. فقال: أمَا واللهِ إنْ كان أبوكَ لأبًا نَعَّارًا في الفتنة، مؤذيًا لنا فيها. قال الزُّهري: فقلت: يا أميرَ المؤمنين، قلْ كما قال العبدُ الصالحُ: ﴿لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ﴾ [يوسف: ٩٢]. فقال: أجل. ﴿لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ﴾.
قال: فقلتُ: يا أميرَ المؤمنين، افرِضْ لي فإني منقطعٌ من الديوان. فقال: إن بلدك ما فرَضْنا فيه لأحدٍ منذُ وإن هذا الأمر. ثم نظر إلى قَبيصة وأنا وهو قائمان بين يديه، فكأنه أومأ إليه أن افرِضْ له؛ فقال: قد فَرضَ إليك أميرُ المؤمنين. فقلت: إني واللهِ ما خرَجْتُ من عندِ أهلي إلَّا وهم في شدَّةٍ وحاجةٍ ما يعلَمُها إِلَّا الله وقد عمَّتِ الحاجةُ أهلَ البلد. قال: قد وصلك أميرُ المؤمنين. قال: قلت: يا أميرَ المؤمنين، وخادمٌ يخدمُنا فإنَّ أهلي ليس لهم خادِمٌ إلَّا أختي فإنها الآن تعجنُ وتخبزُ وتطحَن. قال: قد أخدمكَ أميرُ المؤمنين.
وروى الأوزاعي عن الزُّهري، أنه روى أنَّ رسولَ الله قال: "لا يَزني الزَّاني حين تزْني وهو مؤمن". فقلتُ للزُّهْري: ما هذا؟ فقال: من اللهِ العِلْم، وعلى رسولِ البَلاغ، وعلينا التسليم، أمرُّوا أحاديثَ رسولِ الله كما =

<<  <  ج: ص:  >  >>