وعن ابن أخي ابنِ شهاب، عن عمِّه قال: كان عمرُ بن عبد الخطاب يأمُرُ بروايةِ قصيدةِ لَبيد بنِ رَبيعة التي يقول فيها: إنَّ تَقْوى رَبِّنَا خَيرُ نَفَلْ … وبإذنِ اللهِ رَيْثِي والعَجَلْ أحمدُ اللهَ فلا ندَّ لَهُ … بيديهِ الخيرُ ما شاءَ فَعَل منْ هداهُ سُبُلَ الخيرِ اهتدَى … ناعمَ البالِ ومنْ شاءَ أضَلْ (الأبيات من قصيدة للبيد في ديوانه ص (١٣٩).) وقال الزُّهري: دخلتُ على عُبيد الله بن عبدِ الله بن عُتبة مَنْزِله، فإذا هو مغتاظٌ ينفُخ! فقلت "ما لي أراكَ هكذا؟! فقال: دخلتُ على أميرِكمْ آنقًا - يعني عمرَ بن عبدِ العزيز - ومعه عبد اللَّه بن عمرو بن عثمان، فسلَّمْتُ عليهما، فلم يَرُدَّا عليَّ السلام، فقلت: لا تَعْجَبا أَنْ تُؤتَيا فتكلَّما … فما حُشِيَ الأقوامُ شرًّا من الكِبْرِ ومُسَّا تُرابَ الأرضِ منهُ خُلِقتُما … وفيها المعادُ والمصيرُ إلى الحَشْرِ فقلت: يرحمك الله، مِثْلُكَ في فقهِكَ وفضلِك وسنِّك تقولُ الشّعر!؟ فقال: إنَّ المصدورَ إذ نَفَثَ بَرَأ (الخبر والأبيات في التمهيد (٩/ ٩٣) لابن عبد البر وزاد في الأبيات بيتين آخرين وهما: فلو شئتُ أن ألقَى عدوًّا وطاعنًا … للاقَيْتُهُ أو قال عنديَ في السرِّ فإنْ أنا لم آمُرْ ولم أنْه عنكما … ضحكتُ له حتى يلجَّ وَيَسْتَشْري) وجاء شيخ إلى الزُّهري فقال: حدّثني. فقال: إنك لا تعرفُ اللغة. ققال الشيخ: لعلِّى أعرفها. فقال: فما تقولُ في قولِ الشاعر: صَريع نَدَامَى يَرفَعُ الشَّرْبُ رأسَهُ … وقد ماتَ منهُ كل عُضْوٍ ومِفْصَلِ ما المِفْصل؟ قال: اللسان. قال: عُدْ عليَّ أُحدِّثْكَ (أخرجه أبو نعيم في الحلية (٣/ ٣٧٨) وروايته: "اغدُ عليَّ أحدِّثك".). وكان الزُّهريُّ يتمثل كثيرًا بهذا: ذهب الشبابُ فلا يعود جُمانا … وكأنَّ ما قد كانَ لم يَكُ كانا قطويتُ كَفِّي يا جُمانُ على العصَا … وكَفَى جُمانُ بطَيِّها حَدَثَانا (الخبر والشعر في الحلية (٣/ ٣٧٠) ورواية. "فطويت كفًّا يا جمان على الغضا".) وكان نقشُ خاتم الزُّهري: محمدٌ يسألُ اللهَ العافية. وقيل لابنِ أخي الزُّهري: هل كان عمُّك يتطيَّب؟ قال: كنتُ أشمُّ ريحَ المسكِ منْ سَوْطِ دابَّةِ الزُّهري. وقال: استكثروا من شيءٍ لا تَمسُّه النار. قيل: وما هو؟ قال: المعروف. وامتدحه رجلٌ مرَّهَّ فأعطاه قميصَه، فقيل له: أتُعطي على كلام الشيطان؟ فقال: إنَّ من ابتغاءِ الخيرِ اتِّقاءَ الشّرّ (أخرجه أبو نعيم في الحلية (٣/ ٣٧١)، وروايته: "إن من ابتغى الخير اتقى الشر".).