للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يا مَنْ يُسرُّ برؤيةِ الإخوانِ … مهْلًا أمِنْتَ مَكايِدَ الشيطانِ

خَلَتِ القلوبُ من الْمَعادِ وذِكْرِهِ … وتشاغلوا بالحِرْصِ والخُسْرانِ

صارَتْ مجالسُ منْ تَرَى وحديثُهم … في هَتْكِ مَسْتُورٍ ومَوْتِ جَنَانِ (١)

قال الحلبي: فقلتُ لِسَريّ: هذه موعظةُ بشر، فعِظْني أنت. فقال: عليك بالإخْمال. فقلت: أحبُّ ذاك. فأنشأ يقول:

يا منْ يَرُومُ بزَعْمِهِ إخْمالًا … إنْ كان حقًّا فاستعِدَّ خِصالا

تَرْكَ المجالِسِ والتذاكُرِ يا أخي … واجعَلْ خروجَكَ للصلاةِ خَيَالا

بل كُنْ بها حَيًّا كأنَّكَ مَيِّتٌ … لا يَرْتَجي منه القريبُ وِصَالا

قال محمد بن محمد القَصْري: قلتُ للحلبي: هذه موعظةُ سَريٍّ لك، فعِظْني أنت. قال: يا أخي أحَبُّ الأعمالِ إلى اللَّه ما صَعِدَ إليه من قلبِ زاهدٍ في الدُّنيا؛ فازْهَدْ في الدنيا يُحبَّكَ اللَّه ثم أنشأ يقول:

أنتَ في دارِ شَتاتٍ … فتأهَّبْ لِشَتاتِكْ

واجعلِ الدُّنيا كيومٍ … صمْتَهُ عن شَهَواتِكْ

واجعلِ الفِطْرَ إذا … ما صُمْتَهُ يومَ وفاتِكْ

قال ابنُ خُرَّزاد: فقلت لعلي: هذه موعظةُ الحلبيِّ لك، فعِظْني أنت. فقال لي: احفَظْ وقتَك، واسخُ بنفسِك للَّهِ ﷿، وانْزِعْ قيمةَ الأشياءَ من قلبِك، يَصْفُ لك بذلك سِرُّك، وَيذْكُو به ذِكْرُك. ثم أنشدَ يقول:

حياتُكَ أنفاسٌ تُعدُّ فكلَّما … مضَى نَفَسٌ منها انْتَقَصْتَ بهِ جُزْءا

فتصبحُ في نَقْصٍ وتُمْسي بمِثْلهِ … ومالَكَ مَعْقولٌ تُحسُّ بك رُزْءا

يُميتُكَ ما يُحْييكَ في كلِّ ساعةٍ … ويَحدُوكَ حادٍ ما يَزيدُ بكَ الْهُزءا

قال أبو محمد: قلتُ لأحمد: هذه موعظةُ على لك، فعِظْني. فقال: يا أخي، عليك بلُزومِ الطاعة، وإيَّاك أنْ تُفارقَ بابَ القناعة، وأصْلِحْ مَثْواك، ولا تُؤْثِرْ هَوَاك، ولا تَبعْ آخرَتَكَ بدُنياك؛ واشتغِلْ بما يَعْنيكَ بِتَرْكِ ما لا يَعْنيك. ثم أنشد:

نَدِمْتُ على ما كانَ منِّي نَدَامةً … ومنْ يَتَّبِعْ ما تشتهي النفسُ يَنْدَمِ

فخافوا لكيما تأمنوا بعدَ موتِكُمْ … ستَلْقَوْنَ رَبًّا عادِلًا ليس يَظْلِمُ (٢)

فليس لِمَغْرورٍ بدُنْياهُ زاجِرٌ … سيَنْدمُ إنْ زَلَّتْ بهِ النَّعْلُ فاعْلَمِ


(١) في (ب، ح): "وخلق قران"، بدل "وموت جنان"، والمثبت من (ق).
(٢) كذا في الأصول، بإقواءٍ في القافية، ولعلّ الصواب: "لم يُظَلَّم"، أي لم ينسب إلى الظُّلْم أبدًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>