للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أبو محمد بن رامين: فقلتُ لأبي محمد: هذه موعظةُ أحمد لك، فعِظْني أنت. فقال: اعلَمْ رَحِمكَ اللَّه أنَّ اللَّه ﷿ يُنْزلُ العَبيد حيثُ نَزَلَتْ قلوبُهم بهُمومها، فانظُرْ أين يَنْزِلُ قلبُك؟ واعلَمْ أنَّ اللَّه سبحانه يَقْرُبُ من القلوب على حَسَبِ ما قُرِّبَ إليها (١)؛ فانظُرْ منِ القريبُ من قلبِك. وأنشدني:

قلوبُ رجالٍ في الحجابِ نُزولُ … وأرواحُهم فيما هناك حُلولُ

تَروحُ نَعيمُ الأنسِ في عزِّ قُرْبِهِ … بإفرادِ تَوْحيدِ المَلِيكِ تَجُولُ

لهم بِفَناءَ القُرْبِ من مَحْضِ بِرِّهِ … عوائدُ بَذْلٍ خَطبُهُنَّ جَليلُ

قال الخطيب: فقلتُ لابنِ رَامين (٢) هذه موعظةُ الحميدي لك، فعِظْني أنت. فقال: اتَّقِ اللَّه وثِقْ به، ولا تتَّهِمْه، فإنَّ اختبارَهُ لك خيرٌ من اختبارِكَ لنفسِك. وأنشدني:

اتَّخِذِ (٣) اللَّه صاحبا … ودَعِ النَّاسَ جانبا

جَرَّبِ النَّاسَ كيف شِئْـ … ـتَ تَجِدْهُمُ عَقَاربا

قال أبو الفرج غَيْثُ الصُّوري: فقلتُ للخطيب: هذه موعظةُ ابن رامين لك، فعِظْني أنت. فقال: احذَرْ نفسَك التي هي أعْدَى أعدائِكَ أنْ تُتَابِعَها على هَوَاها، فذاك أعْضَلُ دائك، واستَشْرِفِ الخوفَ من اللَّه تعالى بخِلافها، وكَرِّرْ على قلبك ذكرَ نُعوتِها وأوصافِها فإنَّها الأمَّارةُ بالسُّوءِ والفحشاء، والْمُوردَةُ منْ أطاعَها موارد العَطَبِ والبَلاء، واعْمِدْ في جميعِ أمورِك إلى تَحرِّي الصِّدْق، ﴿وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ [ص: ٢٦]، وقد ضَمِنَ اللَّه لمنْ خالَفَ هواهُ أنْ يجعلَ له جنَّةَ الخُلدِ قَرَارَهُ ومأواه. ثم أنشد لنفسه:

إنْ كنتَ تَبْغي الرَّشَادَ مَحْضًا … في أمْرِ دُنْيَاكَ والْمَعَادِ

فخالفِ النفسَ في هواها … إنَّ الهوى جامعُ الفَسَادِ (٤)

قال ابن عساكر (٥): المحفوظ أنَّ إبراهيم بن أدهم تُوفَي سنة ثنتين وستين ومئة. وقال غيره: إحدى وستين. وقيل: سنة ثلاث. والصحيحُ ما قاله ابنُ عساكر، واللَّه أعلم. وذكروا أنه تُوفِّي في جزيرةٍ من جزائرِ الرُّوم، وهو مُرَابط، وأنه ذهَبَ إلى الخَلاء ليلةَ مات نحوًا من عشرين مرَّة وفي كلِّ مرَّةٍ يُجدِّدُ


(١) أقحمت عبارة في هذا الموضع في (ق)، ليست في (ب، ح)، ولا في بغية الطلب.
(٢) في (ق): "زامين"، انظر الحاشية على هذا الاسم في صدر الخبر.
(٣) كذا في الأصول، والصواب: "تَخِذِ"، ليستقيم وزن البيت.
(٤) ساقه بطوله ابن عساكر في تاريخ مدينة دمشق (٦/ ٣٤٥ - ٣٤٨)، وابن العديم بن أبي جرادة في بغية الطلب (٢/ ١٠٨٠ - ١٠٨٣) بإسنادهما عن الخطيب البغدادي.
(٥) في تاريخ مدينة دمشق (٦/ ٦ - ٣٤٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>