للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحسن، وتبين للرشيد براءته مما نُسب إليه، وأنزله محمد بن الحسن عنده. وكان أبو يوسف (١) قد مات قبل ذلك بسنة، وقيل: بسنتين. وأكرمه (٢) محمد بن الحسن وكتب عنه الشافعيُّ وِقْرَ بعيرٍ، ثم أطلق له الرشيدُ ألفي دينارٍ، وقيل: خمسة آلاف دينار.

وعاد الشافعيُّ إلى مكَّةَ، ففرَّق عامة ما حصل له في أهله وذوي رَحِمِهِ من بني عمِّه.

ثم عاد الشافعيُّ إلى بغداد في سنة خمس وتسعين ومئة، فاجتمع به جماعةٌ من العلماء هذه المرة، منهم: أحمد بن حنبل، وأبو ثور (٣)، والحسين بن علي الكَرابيسي، والحارث بن سُريج النَّقَّال (٤)، وأبو عبد الرحمن الشافعي، والزَّعفراني، وغيرهم.

ثم رجع إلى مكة، ورجع إلى بغداد أيضًا، سنة ثمان وتسعين ومئة، ثم انتقل منها إلى مصر فأقام بها إلى أن مات في سنة أربع ومئتين، كما سيأتي.

وصنف بها كتابه "الأم" فهو من كتبه الجديدة؛ لأنَّها من رواية الرَّبيع بن سليمان، وهو مصري. وقد زعم إمام الحرمين (٥) وغيرُه أنَّها من القديم، وهذا بعيدٌ وعجيب من مثله، واللَّه أعلم.

وقد أثنى على الشافعي غيرُ واحدٍ من كبار الأئمة، منهم: عبدُ الرحمن بن مهدي (٦)، وسأله أن يكتب له كتابًا في الأصول فكتب له "الرسالة" (٧)، فكان يدعو له في صلاته دائمًا، وشيخُه مالك بن


(١) هو يعقوب بن إبراهيم بن حبيب الأنصاري، الكوفي، القاضي أبو يوسف، صاحب الإمام أبي حنيفة. ترجم له المؤلف في حوادث سنة ١٨٢.
(٢) في أ وأدبه.
(٣) هو إبراهيم بن خالد الكلبي، أبو ثور، الفقيه المشهور، ت ٢٤٠ هـ.
(٤) في أ: الحارث بن شريح القفال وفي ظا، ط البقال، وهو الحارث بن سريج النقّال، أبو عمر، خوارزمي الأصل، أحد الفقهاء، متهم في الحديث. تاريخ بغداد (١٨/ ٢٠٩)، ميزان الاعتدال (١/ ٤٣٣).
(٥) هو عبد الملك بن عبد اللَّه بن يوسف الجويني، الملقب بإمام الحرمين؛ لمجاورته بمكة أربع سنين. أعلم المتأخرين من أصحاب الشافعي، توفي سنة ٤٧٨ هـ.
(٦) عبد الرحمن بن مهدي بن حسان، أبو سعيد العنبري، اللؤلؤي. من كبار حفاظ الحديث؛ قال الشافعي: لا أعرف له نظيرًا في هذا الشأن. توفي سنة ١٩٨ هـ. سير أعلام النبلاء (٩/ ١٩٢ - ٢٠٩).
(٧) في الأصول: بالرسالة، وأثبت ما في ط. وكتاب "الرسالة" في أصول الفقه، مطبوع. وكتب الذهبي في سير أعلام النبلاء (١٠/ ٤٤) ما نصه: كتب عبد الرحمن بن مهدي إلى الشافعي، وهو شاب، أن يضع له كتابًا فيه معاني القرآن، ويجمع قبول الأخبار، وحُجّة الإجماع، وبيان الناسخ والمنسوخ، فوضع له كتاب الرسالة.
وفي هامش التحقيق: وهي الرسالة القديمة التي كتبت عنه بالعراق، وأرسلها إلى عبد الرحمن بن مهدي مع الحارث بن سُريج النقّال الخوارزمي، ثم البغدادي، وبسبب ذلك سمي النقّال. وهذه الرسالة القديمة غير معروفة، وليس في أيدي الناس الآن غير الرسالة الجديدة المطبوعة طبعة جيدة بتحقيق الشيخ أحمد محمد شاكر .

<<  <  ج: ص:  >  >>