للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الأمير أكرمه واحترمه، وبادر إلى إعطائه حقّه والخلاص من أمره، فتعجب ذلك التاجر من ذلك الخياط مع رثاثة حاله وضعفه كيف انطاع ذلك الأمير له، فعرض عليه شيئًا من المال الذي قبضه من الأمير، فلم يقبل منه شيئًا. فسأله عن خبره، وذكر له تعجبه من ذلك وألحَّ عليه، فقال: إن سبب ذلك أنه كان عندنا هاهنا رجل تركي، شاب حسن، أمير، فلما كان ذات يوم، أقبلت امرأة حسناء قد خرجت من حمامٍ، وعليها ثياب مرتفعة، فعلق بها وهو سكران يريدها على نفسها ليدخلها منزله، وهي تأبى عليه وتصرخ بأعلى صوتها: يا معشر المسلمين! أنا امرأة ذات زوج، وهذا يريدني على نفسي ليدخلني منزله، وقد حلف زوجي بالطلاق ألا أبيتَ في غير منزله، ومتى بتُّ هاهنا طلقت من زوجي، ولحقني بسبب ذلك عار لا تدحضه الأيام.

قال: فقمت إليه فأنكرت عليه، فضربني بدبوس في يده فشجَّ رأسي، وغلب المرأة على نفسها وأدخلها منزله قهرًا، فرجعت أنا، فغسلت الدَّم عني، وعصبت رأسي، وصلَّيت بالناس العشاء وقلت لهم: إن هذا قد فعل ما قد علمتم فقوموا بنا إليه لننكر عليه، فقام الناس معي، فهجمنا عليه داره، فثار إلينا في جماعة من غلمانه بأيديهم العصي والدبابيس يضربون الناس، وقصدني هو من بين الناس، فضربني ضربًا شديدًا مبرِّحًا، وأخرجنا من منزله ونحن في غاية الإهانة، فرجعت إلى منزلي وأنا لا أهتدي من الوجع، فنمت على فراشي وأنا لا يأخذني نوم، وحرت ماذا أصنع حتى أنقذ هذه المرأة من يده في هذه الليلة، حتَّى لا يقع على زوجها الطلاق، فتروَّيت أن أؤذن للصبح في أئناء الليل؛ لكي يخرجها من منزله. فقمت إلى المنارة، فأذنت، وجعلت أنظر إلى باب داره لكي يخرج المرأة، وصمَّمت إن لم تخرج أن أقيم للصلاة حتى يتحقق الصباح.

فبينا أنا أنظر، إذ امتلأ الطريق فرسانًا، ورجَّالة، وهم يقولون: أين الذي أذن [هذه الساعة] (١)؟ فقلت: ها أنا ذا، وأنا أريد أن يعينوني عليه، فقالوا: انزل، فنزلت، فأخذوني وذهبوا بي لا أملك من نفسي شيئًا، وما زالوا بي حتى أدخلوني على الخليفة المعتضد باللّه، فلما رأيته جالسًا في مقام الخلافة أرعدت (٢) من الفرق، فقال لي: ليسكن جأشك، ثم قال: أنت الذي أذنّت؟ قلت: نعم، يا أميرَ المؤمنين، فقال: ما حملكَ على أن أذّنت، وقد بقي من الليل كثير، فيغترّ بذلك الصوَّام [والمسافرون] (٣)؟ فقلت: يؤمنني أمير المؤمنين حتى أقصَّ عليه (٤) خبري؟ فقال: أنت آمن. فذكرت


(١) زيادة من ط.
(٢) في ط: ارتعدت من الخوف، وفزعت فزعًا شديدًا، فقال: ادن، فدنوت، فقال لي: ليسكن روعك، وليهدأ قلبك. وما زال يلاطفني حتى اطمأننت وذهب خوفي، فقال: أنت الذي …
(٣) زيادة من ب، ظا، وهي فيهما والمسافرين.
(٤) في آ: عليك.

<<  <  ج: ص:  >  >>