للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبعث إليه يعزِّيه في أبيه، ويهنِّيه بالوزارة. فما لبث القاسم بن عبيد اللّه حتَّى ولي المكتفي الخلافة من بعد أبيه المعتضد، حتى قتل بدرًا. وكان المعتضد ينظر إلى ما بينهما من العداوة من وراء ستر رقيق، وهذه فراسة عظيمة وتوسّم قوي (١).

وقد رفع إلى المعتضد أنَّ أقوامًا يجتمعون على معصية (٢) فاستشار وزيره في أمرهم، فقال: ينبغي أن يصلب بعضُهم ويحرَّقَ بعضهم. فقال: ويحك! لقد برَّدتَ لهب غضبي عليهم بقسوتك هذه، أما علمت أنَّ الرعيَّة وديعة اللّه عند سلطانها، وأنه سائله عنها؟ ولم يقابلهم بما قال الوزير فيهم (٣).

وبهذه النيَّة لمَا ولي الخلافة كان بيتُ المال صفرًا من المال، والأحوال فاسدة، والأعراب تعيث في الأرض فسادًا في كل جهةٍ، فلم يزل برأيه وتدبيره حتى كثرت الأموال في بيت المال، وصلحت الأحوال في سائر الأقاليم والآفاق والمحال.

ومن شعره في جارية له توفيت فوجد عليها وجدًا عظيمًا، فقال (٤):

يا حَبيبًا لم يَكُنْ يَعْ … ــدلُهُ عندي حبيبُ

أنتَ عَنْ عيني بَعيدٌ … ومِنَ القلبِ قريبُ

ليسَ لي بعدك في شـ … ــيءٍ مِنَ اللَّهوِ نصيبُ

لكَ مِنْ قلبي على قلبي … وإنْ بِنْتَ رَقيبُ

وخيالي منكَ مُذْ غِبْـ … ـتَ خيالٌ ما يَغيبُ

لو تَرَاني كيفَ لي بَعْـ … ـــدَكَ عَوْلٌ ونَحِيبُ

وفؤادي حَشْوُهُ مِنْ … حَرَقِ الحزنِ لَهيبُ

لتَيَقَّنْتَ بأنِّي … بكَ محزون كئيبُ

ما أرى نَفْسي وإن طيَّـ … ــبْتُها عنكَ تَطيبُ (٥)

ليسَ دمعٌ ليَ يَعصيـ … ــني وصَبري ما يُجيبُ

وقال فيها أيضًا (٦):

لم أبْكِ للدَّارِ ولكن لِمَنْ … قَدْ كانَ فيها مرَّةً ساكنا


(١) المنتظم (٥/ ١٣٤ - ١٣٥).
(٢) في آ: عصبية.
(٣) المنتظم (٥/ ١٣٦ - ١٣٧).
(٤) المنتظم (٥/ ١٣٧)، تاريخ الخلفاء للسيوطي (٣٨٢).
(٥) في آ: تغيب.
(٦) المنتظم (٥/ ١٣٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>