للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فخانني الدَّهْرُ بفقدانِهِ … وكنتُ مِنْ قبلُ لَهُ آمنا

وَدَّعتُ صبري عند توديعه … وبانَ (١) قلبي معهُ ظاعنا

وقد بعث إليه ابن المعتز يعزِّيه ويسلِّيه عن مصيبته (٢) فيها (٣):

يا إمامَ الهُدَى بنا لا بكَ الغـ … ــمُّ أفنيتنا وعِشْتَ سليما

أنتَ علَّمتنا على النِّعَمِ الشُكْـ … ـر وعندَ المصائبِ التَّسليما

فاسل عمَّا مَضَى فإنَّ التي كا … نتْ سُرورًا صَارَتْ ثوابًا عظيما

قدْ رَضينا بأن نموتَ وتحيى … إنَّ عندي في ذاكَ حظًّا جسيما

مَنْ يمُت طائعًا لديك فقدْ … أعطي فوزًا وماتَ موتًا كريما

وقد اجتمع ليلة عند المعتضد ندماؤه، فلمَّا انقضى السَّمَرُ وصار إلى حظاياه، ونام القوم، أهبهم خادم من عند الخليفة، وقال: يقول لكم: إنه قد أصابه أرق بعدكم، وقد عمل بيتًا أعياه ثانيه، فمن أجازه فله جائزة، وهو هذا البيت:

ولمَّا انتبَهْنَا (٤) لِلخيالِ الَّذِي سَرَى … إذا الدَّارُ قَفْرَى والمَزَارُ بَعِيدُ

فجلس القوم من فرشهم يفكِّرون في ثانيه، فبدر واحدٌ منهم، فقال:

فقلتُ لِعَيْني عاوِدي النَّوْمَ واهْجَعي … لَعَلَّ خَيَالًا طارقًا سَيَعُودُ

فلمَّا رجع به الخادم إلى الخليفة وَقَعَ منه موقعًا جيدًا وأمر له بجائزة سنية.

واستعظم (٥) المعتضد يومًا من بعض الشعراء قول الحسن بن منير المازنيّ البصريّ:

لَهْفي عَلَى مَنْ أطارَ النَوْمَ فامْتَنَعا … وَزَادَ قَلْبي على أوْجَاعِهِ وَجَعا

كأنَّما الشَمْسُ من أعطافِهِ لَمَعَتْ … حُسْنًا أو البَدْرُ مِن أردانِه (٦) طَلَعا

مستقبلٌ بالذي يَهوى وإن عظُمت … منه الأساءةُ معذورٌ بما صَنَعا

في وَجْهِهِ شافعٌ يمحو إساءتهُ … من القلوب وجيه حيثما شفعا

ولما كان ربيع الأول من هذه السنة - أعني سنة تسع وثمانين ومئتين - اشتد وجع الخليفة المعتضد


(١) في المنتظم: وسار.
(٢) في ب، ظا: مصابه.
(٣) المنتظم (٥/ ١٣٨).
(٤) في آ، ظا: انتهينا.
(٥) في ب، ظا: واستطعم.
(٦) في ب، ظا: أزراره.

<<  <  ج: ص:  >  >>