للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالله، فاجتمع رؤساء القوَّاد، منهم مؤنس (١) الخادم، إلى الوزير القاسم بن عبيد اللّه، وأشاروا بأن يجتمع الناس لتجديد البيعة للمكتفي باللّه عليّ بن المعتضد باللّه، ففعل ذلك، وتأكد العهد، وكان في ذلك خيرٌ كثير.

وحين حضرت المعتضد الوفاة أنشد لنفسه (٢):

تَمَتَّعْ مِنَ الدُّنيا فإنَّكَ لا تَبْقَى … وَخُذْ صَفْوَها ما إن صَفَتْ وَدَعِ الرَّنقا (٣)

ولا تأمنَنَّ الدَّهْرَ إنِّي أمِنْتُهُ … فلم يُبْقِ لي حالًا ولم يَرْعَ لي حقَّا

قَتَلْتُ صنادِيدَ الرِّجالِ فلَمْ أدَعْ … عَدُوًّا ولم أُمْهِلْ على خُلُقٍ (٤) خَلْقا

وأخْلَيْتُ دارَ الملكِ من كلِّ نازعٍ (٥) … فشرَّدْتُهُمْ غَرْبًا وَمَزَّقتُهُمْ شَرْقا

فلمّا بَلغْتُ النَّجْم (٦) عِزًّا وَرِفعةً … وصارَتْ رقابُ الخَلْقِ أجمع لي رِقَّا

رَمَاني الرَّدَى سَهْمًا فأخمَدَ جَمْرَتي … فها أنا ذا في حُفْرَتي عاجلًا أُلقَى

ولم يغنِ عنِّي ما جمعْتُ ولم أجدْ … لدى ملك الأجاء في حُبّها رِفقا (٧)

وأفسَدْتُ دُنْيايَ وَدِيني سَفَاهةً … فَمَنْ ذا الذي مِنِّي بمصْرَعِهِ أشْقَى؟

فيا لَيْتَ شِعْرِي بعدَ مَوْتي ما ألقى … إلَى نعمةٍ للّهِ أمْ نارِهِ ألْقَى؟

وكانت وفاته - رحمه الله تعالى - ليلة الإثنين لثمان بَقِين من ربيع الأول من هذه السنة، ولم يبلغ الخمسين. فكانت خلافته تسعَ سنين وتسعة أشهر وثلاثة عشر يومًا.

وخلَّف من الأولاد الذكور: عليًّا المكتفي، وجعفر المقتدر، وهارون. ومن البنات إحدى عشرة بنتًا، ويقال: سبعَ عشرة بنتًا. وترك في بيت المال سبعة عشر ألف ألف دينار. وكان ماسكًا (٨) عن صرف الأموال في غير وجهها، فلهذا كان بعض الناس يبخِّله. ومن الناس من يجعله من الخلفاء الراشدين

المذكورين في الحديث الاثني عشر المنصوص عليهم في حديث جابر بن سمره (٩)، فالله أعلم.


(١) في آ، ط: يونس.
(٢) الكامل لابن الأثير (٧/ ٥١٤)، سير أعلام النبلاء (١٣/ ٤٧٧)، تاريخ الخلفاء للسيوطي (٥٩٥).
(٣) "الرّنق": الكدر.
(٤) في السير وتاريخ الخلفاء: على ظِنَّة.
(٥) في السير: وأخليت دور الملك من كل بازل.
(٦) في ب، ظا: المجد.
(٧) لم يرد هذا البيت في الكامل والسير وتاريخ الخلفاء.
(٨) في ب، ظا: ماسك اليد، وفي ط: يمسك.
(٩) حديث جابر بن سمرة ، رواه أحمد في المسند (٥/ ٨٧)، والبخاري (١٣/ ١٨١)، في الأحكام، باب في الاستخلاف، ومسلم رقم (١٨٢١) في الإمارة، باب الناس تبع لقريش، والترمذي رقم (٢٢٢٣) في =

<<  <  ج: ص:  >  >>