للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثم صكّه أخرى فأدخله بحار السابعة فأساخه، وفي رواية فأسلكه فيها حتى وجد طعم الحمأة (١) فخرج وهو يقول: ما لقي أحدٌ من أحد ما لقيتُ منك يا ابن مريم (٢).

وقد روي نحو هذا بأبسط منه من وجه آخر، فقال الحافظ أبو بكر الخطيب: أخبرني أبو الحسن بن رزقويه، أخبرنا أبو بكر أحمد بن سندي (٣)، حدّثنا أبو محمد الحسن بن علي القطان (٤)، حدّثنا إسماعيل بن عيسى العطار، أخبرنا علي بن عاصم، حدّثني أبو سلمة سويد عن بعض أصحابه قال: صلّى عيسى ببيت المقدس، فانصرف، فلما كان ببعض العقبة عرض له إبليس، فاحتبسه، فجعل يعرض عليه ويكلمه ويقول له: إنه لا ينبغي لك أن تكون عبدًا، فأكثر عليه. وجعل عيسى يحرص على أن يتخلّص منه، فجعل لا يتخلّص منه، فقال له فيما يقول: لا ينبغي لك يا عيسى أن تكون عبدًا. فقال: فاستغاث عيسى بربّه، فأقبل جبريل وميكائيل، فلما رآهما إبليس كَفَّ، فلما استقرا (٥) معه على العقبة اكتنفا عيسى، وضرب جبريلُ إبليس بجناحه فقذفه في بطن الوادي. قال: فعاد إبليس معه وعلم أنهما لم يؤمرا بغير ذلك، فقال لعيسى: قد أخبرتك أنه لا ينبغي أن تكون عبدًا، إنَّ غَضَبَكَ ليس بغضب عبد، وقد رأيت ما لقيت منك حين غضبت، ولكن أدعوك إلى أمر هو لك؛ آمر الشياطين فليطيعوك، فإذا رأى البشر الشياطين أطاعوك عبدوك، أما إني لا أقول أن تكون إلهًا ليس معه إله، ولكن الله يكون إلهًا في السماء وتكون أنت إلهًا في الأرض. فلما سمع عيسى ذلك منه استغاث بربّه وصرخَ صرخةً شديدةً، فإذا إسرافيل قد هَبَطَ، فنظر إليه جبريل وميكائيل، فكفّ إبليس، فلما استقر معهم ضرب إسرافيلُ إبليسَ بجناحه فَصَكَّ به عَيْنَ الشمسِ، ثمّ ضربه ضربة أخرى فأقبل إبليس يهوي، ومر بعيسى وهو بمكانه فقال: يا عيسى لقد لقيت فيك اليوم تعبًا شديدًا، فَرُمي به في عين الشمس فوجد سبعة أملاك عند العين الحاميه (٦)، قال: فَغَطوه، فجعل كلّما خرج (٧) غطّوه في تلك الحمأة، قال: والله ما عاد إليه بعد (٨).


(١) في ط: فخرج منها. والحمأة: الطين الأسود المنتن.
(٢) الخبر في مختصر تاريخ دمشق (٢٠/ ٩٨).
(٣) في ط: "سبدي" وهو تصحيف، والتصحيح من تاريخ الخطيب (٥/ ٣٠٤) (ط. الدكتور بشار) ومادة "السندي" من أنساب السمعاني، قال الخطيب: "حدثنا عنه ابن رزقويه بكتاب "المبتدأ" تصنيف أبي حذيفة البخاري وبغيره وذكر سماعه من الحسن القطان.
(٤) هو المعروف بابن علويه المتوفى سنة ٢٩٨ هـ، كما في تاريخ الخطيب (٨/ ٣٦٧ - ٣٦٨).
(٥) في ط … استقر. وفي مختصر تاريخ دمشق: فلما استقر معهم على العقبة.
(٦) في ب: الخامسة.
(٧) كذا في ب. وأوط صرخ.
(٨) مختصر تاريخ دمشق (٢٠/ ٩٨).