للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إلى مداواته. ﴿وَالْأَبْرَصَ﴾ هو الذي لا طِبّ فيه، بل قد مرض بالبرص وصار داؤه عُضالًا. ﴿وَإِذْ تُخْرِجُ الْمَوْتَى﴾ أي من قُبُورهم أحياء بإذني.

وقد تقدم ما فيه دلالة على وقوع ذلك مرارًا متعددةً مما فيه كفاية.

وقوله: ﴿وَإِذْ كَفَفْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَنْكَ إِذْ جِئْتَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ﴾ وذلك حين أرادوا صلبه، فرفَعه الله إليه وأنقذه من بين أظهرهم صيانة لجنابه الكريم عن الأذى، وسلامة لهم من الردى.

وقوله: ﴿وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ﴾ قيل: المراد بهذا الوحي وحْي إلهامٍ، أي: أرشدهم الله إليه ودلهم عليه كما قال: ﴿وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ﴾ [النحل: ٦٨]. ﴿وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ﴾ [القصص: ٧]. وقيل: المراد وحي بواسطة الرسول وتوفيق في قلوبهم لقبول الحق، ولهذا استجابوا قائلين ﴿قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ﴾ (١).

وهذا من جملة نِعم الله على عبده ورسوله عيسى ابن مريم أن جعل له أنصارًا وأعوانًا وحواريين (٢) ينصرونه ويدعون معه إلى عبادة الله وحدَه لا شريك له، كما قال تعالى لعبده محمد : ﴿هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ (٦٢) وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ﴾ [الأنفال: ٦٢ - ٦٣].

وقال تعالى: ﴿وَيُعَلِّمُهُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَالتَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ (٤٨) وَرَسُولًا إِلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأُحْيِ الْمَوْتَى بِإِذْنِ اللَّهِ وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٤٩) وَمُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَلِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ وَجِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ (٥٠) إِنَّ اللَّهَ رَبِّي وَرَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ (٥١) فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قَالَ مَنْ أَنْصَارِي إِلَى اللَّهِ قَالَ الْحَوَارِيُّونَ نَحْنُ أَنْصَارُ اللَّهِ آمَنَّا بِاللَّهِ وَاشْهَدْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (٥٢) رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ (٥٣) وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ﴾ [آل عمران: ٤٨ - ٥٤].

كانت معجزة كلّ نبي في زمانه بما يناسب أهلَ ذلك الزمان، فذكروا أن موسى كانت معجزته مما يناسب أهل زمانه، وكانوا سحرةً أذكياء، فَبُعِثَ بآيات بهرتِ الأبصار وخضعت لها الرقاب، ولما كان السحرةُ خبيرين بفنون السحر وما ينتهي إليه، وعاينوا ما عاينوا من الأمر الباهر الهائل


(١) تفسير الطبري (٧/ ٨٣).
(٢) قوله: وحواريين. ليست في ط.