للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أقْبلَ فِتْيَةٌ من بني هاشم، فلما رآهم رسولُ اللَّه اغْرَوْرقتْ عَيْنَاهُ، وَتغَيّر لَوْنهُ، قال: فقلت: ما نَزالُ نَرَى في وجهك شيئًا تَكْرهُه، فقال: "إنَّا أَهلُ بيتِ اختار اللَّهُ لنا الآخِرَة على الدنيا، وإنّ أهْلَ بيتي سَيَلْقَوْنَ بعدي بَلاءً وتشريدًا، وتَطْريدًا، حتى يأتيَ قوم من قبَل المشرق معهم رايات سُود فيَسألون الخَيْر فلا يُعْطَونَه، فيقاتِلوُن فيُنْصَرون، فيُعْطَوْنَ ما سألوا، فلا يقبلونه، حتى يدفعوها إلى رجل من أهل بيتي، فيملؤها قِسطًا كما ملؤوها جَوْرًا، فمن أدرك ذلك منكم فليأتهم ولو حَبْوًا على الثلج" (١).

ففي هذا الحديث، إشارة إلى مُلْك بني العباس، كما تقدم التنبيه على ذلك عند ذكر ابتداء دولتهم في سنة ثنتين وثلاثين ومئة، وفيه دلالة على أن المهدي يكون بعد دولة بني العباس، وأنه يكون من أهل البيت من ذُرّية فاطمة بنتِ رسولِ اللَّه ثم مِنْ ولد الحسن، لا الحُسَيْن كما تقدّم النص على ذلك في الحديث المرويّ، عن عليّ بن أبي طالب واللَّه أعلم.

وقال ابن ماجه: حدثنا محمد بن يحيى، وأحمد بن يوسف، قالا: حدثنا عبد الرزّاق، عن سفيان الثوريّ، عن خالد الحَذَّاء، عن أبي قِلَابة، عن أبي أسماء الرحَبيّ، عن ثَوْبَان، قال: قال رسول اللَّه : "يقتتل عند كنْزِكُمْ ثَلَاثةٌ كُلُّهم ابن خليفة، ثم لا يصيرُ إلى واحدٍ مِنْهُمْ، ثم تَطْلعُ الرَّاياتُ السُّودُ من قِبَل المَشرِق، فيقتلونكم قَتلًا لم يُقْتَلْه قوْم" ثم ذَكرَ شيئًا لا أحْفظُه فقال: "فإذا رَأَيتمُوه، فبَايِعُوهُ، ولَوْ حَبْوًا على الثَّلْج، فإنّه خَلِيفةُ اللَّه المهديّ". تفرّد به ابنُ ماجه، وإسناده قويّ صحيح (٢).

والظاهر أن المراد بالكنز المذكور كنزُ الكعبة، يَقْتتلُون عندَه ليأخذه ثلاثة من أولاد الخلفاء، حتى إذا كان في آخر الزمان، فيخرج المهديّ، ويكون ظهوره من بلاد المشرق، وقيل: من مكة، لا من سِرداب سامرَّا، كما تَزْعُمهُ جَهَلَةُ الرافِضَة من أنّه محبوس فيه الآن، وهم ينتظرون خروجه في آخر الزمان، فإنّ هذا نوع من الهَذَيانِ، وقِسْطٌ كبير من الخِذْلان، وهوَس شديد من الشيطان، إذ لا دليل على ذلك ولا بُرهان، لا من كتاب ولا سُنّة ولا معقول صحيح ولا بيان.

وقال الترمذيّ: حدثنا قُتَيْيَة، حدّثنا رِشْدِينُ بن سعد، عن يونس عن ابن شهاب الزُّهريّ، عن قَبيصَةَ بن ذُؤَيْب، عن أبي هريرة قال: قال رسول اللَّه : "تخرُج من خُراسانَ راياتٌ سودٌ، فلا يَردُّها شَيْءٌ حَتى تُنْصَب بإيليَاء". هذا حديث غريبٌ (٣). وهذه الرايات السُّود ليست هي التي أقبل بها أبو مُسْلِمٍ الخُراسَانيّ، فاستَلَبَ بها دولة بني أميّة، في سنة ثِنْتَيْن وثَلَاثِين ومئة، بل هي راياتٌ سود


(١) رواه ابن ماجه رقم (٤٠٨٢) وإسناده ضعيف.
(٢) رواه ابن ماجه (٤٠٨٤) لكن في سنده: أبو قلابة الجَرمي عبد اللَّه بن زيد، وهو مدلس وقد عنعنه.
(٣) أخرجه الترمذيّ رقم (٢٢٦٩) وإسناده ضعيف.

<<  <  ج: ص:  >  >>